الخليج الغائب عن الساحة الكردستانية!
كتب – محمد واني
بعد سقوط النظام البعثي وتفكيك الدولة العراقية عام 2003 وهيمنة الأحزاب الشیعیة وفصائلها على مفاصل العراق الجديد بدعم واسناد مباشر من قبل الولايات المتحدة ثم من إيران بعد عملية استلام وتسليم ، كنت أتوقع أن تكون دول الخليج سباقة لايجاد موطئ قدم في المعادلة السياسية العراقية يتناغم والواقع الجديد، لا أن تنسحب من الساحة وتتركها لقوى إقليمية معادية تتنافس معها على النفوذ والمصالح في المنطقة.
وكما قدمت الولايات المتحدة والدول الغربية العراق إلى إيران على طبق من فضة، فعلت الدول الخليجية الشيء نفسه وانسحبت من الساحة السياسية. ورغم أنها حاولت أن تبني علاقات مع بعض القوى السنية العربية وراهنت عليها لفترة ودعمتها بالأموال لتكون ندا قويا للسلطة الشيعية، ولكنها سرعان ما أدركت أن القوى السنية أضعف من أن تصمد أمام هذه السلطة وتواجه العاصفة الطائفية الهوجاء التي هبت على المنطقة في ظل ميليشيات وفصائل طائفية، خاصة بعد الحرب الأهلية الضروس التي دارت بين الطرفين المتصارعين السنة والشيعة عامي 2006 و2007 وذهب ضحيتها مئات الآلاف، الأمر الذي جعل القوى السنية تنسحب من المواجهة وترضخ صاغرة للأمر الواقع وتنخرط في العملية السياسية وتشارك في الانتخابات تحت إدارة الاحزاب الشيعية وقيادتها بعد أن قاطعتها لفترة.
ورغم ذلك ظلت الدول الخليجية على علاقة بالقوى السنية العربية مع شيء من الانفتاح الحذر على الحكومة والميليشيات التي تتحكم فيها. وطوال مدة تعاملها مع القوى السنية والشيعية لم تلتفت تلك الدول إلى القوى الأخرى السنية الفاعلة في العراق، وهي القوى والأحزاب الكردية التي كان لها نفوذ طاغ ودور مهم في تشكيل العراق الجديد وفي كتابة الدستور وبناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية وإعادة تأسيس القوات المسلحة العراقية، وكانت لها اليد الطولى في رسم سياستها الخارجية والداخلية.
الدول الخليجية أدركت أهمية وجود إقليم كردستان الجيوستراتيجي في الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة، فبدأت تتجه ولو باستحياء نحو الإقليم لإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية معه وفتح قنصلياتها في اربيل العاصمة التي تحولت الى ملتقى للوفود الدبلوماسية العراقية والعربية والعالمية، تعقد فيها المؤتمرات الدولية .. واستمر نجم الكرد في سطوع لغاية سنة 2012 عندما اتفق القادة العراقيون المعارضون لتوجهات رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي وهم إياد علاوي وجلال طالباني ومقتدى الصدر ومسعود بارزاني السياسية و سحب الثقة منه بتهمة التفرد بالسلطة وإثارة الأزمات مع الفرقاء السياسيين وتكريس الفساد، وكاد هؤلاء ينجحون في جمع الأصوات الكافية لتجريده من منصبه، ولكن فجأة ودون أي مسوغ قانوني وسياسي مقنع تراجعوا عن موقفهم واحدا تلو الآخر تاركين الكرد والاقليم أمام فوهة مدفع المالكي الذي تحول الى عدو لدود لاقليم كردستان منذ ذلك اليوم ، فرض عليه الحصار وقطع عنه الرواتب ومنع من ارسال حصته من الموازنة ، وظل يعاقب الاقليم لحد اليوم . رغم المحاولات الدبلوماسية المستمرة التي بذلها ويبذلها زعيم الدبلوماسية الكردية رئيس الاقليم “نيجيرفان بارزاني” عبر زيارات مكوكية متواصلة لطهران وبغداد للوصول الى اتفاق مشترك ينهي حالة القطيعة بين بغداد واربيل ويرفع العقوبات على كاهل الشعب الكردي الذي بدأ يعاني من الحصار بشدة ، وكما استطاع “نيجيرفان” بحنكته الدبلوماسية وعلاقاته السياسية المتينة مع قادة العالم والخليج والرئيس الفرنسي “ماكرون” الذي تدخل بشكل مباشر في رفع الحصار على مطارات الاقليم بعد استفتاء عام 2017 ..ومازالت محاولاته جارية على قدم وساق، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ومن وراء الستار وعلى كل المستويات لتطبيع العلاقات بشكل كامل مع بغداد وازالة التوترات القائمة.
ربما أدركت دول الخليج ، وإن كان ذلك متأخرا، أهمية وجود إقليم كردستان الجيوستراتيجي في الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة، فبدأت بالتحرك ولو على استحياء نحو الإقليم لإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية معه ولكن دون المستوى المطلوب!