“حين تتلاقى الجبال: حكاية من نورج إلى جدة”
كتب/ محمد إدريس
في تقلبات الحياة وأقدارها العجيبة، شاءت لي الصدف أن أعيش تجربتين متشابهتين في المكان ومختلفتين في الروح، الأولى في شمال شرق لندن، وتحديدًا في مدينة نورج، والثانية في شمال شرق جدة. هناك، في نورج، كنت أتجول بين طبيعة ريفية ساحرة وجبال تحتضن المدينة، بينما في جدة، وجدت نفسي في حي يشبه القرية في تركيبته السكانية، ويقع بالقرب من سلسلة جبال المدينة المنورة، وكأن القدر قد رسم لي مسارًا يعيدني إلى نقطة الانطلاق.
في نورج، كان المشهد يخطف الأنفاس. الطبيعة الريفية بجمالها البكر، والتلال التي تعلو فوق الأفق، كانت كلها معالم تصنع من كل لحظة تجربة لا تُنسى. الحياة هناك كانت هادئة، ولكنها مليئة بالمعاني؛ الطبيعة كانت تعلمك دروسًا في التأمل، وفي الصبر، وفي القدرة على الانسجام مع ما حولك.
أما شمال شرق جدة، فهو مكان ذو روح مختلفة، لكنه يحمل في طياته تشابهًا غريبًا مع نورج. هناك أيضًا، الطبيعة تتداخل مع العمران، وسكان الحي يعيشون وكأنهم في قرية، متآلفين مع بيئتهم ومع بعضهم البعض. الجبال هنا قد لا تكون شديدة الارتفاع، ولكنها تمنح المكان إحساسًا بالارتباط بالأرض والتاريخ، تمامًا كما كانت تفعل جبال نورج.
الامتزاج بين هاتين التجربتين صنع مني شخصًا مختلفًا، إنسانًا يقدر البساطة ويفهم عمق الروابط الإنسانية. في نورج تعلمت أن الطبيعة تعلمك الصبر، وفي جدة، تعلمت أن الناس يصنعون من أماكنهم تاريخًا يجمعهم.
التجربتان معًا، في شمال لندن وجدة، خرجت منهما بحكمة أن الحياة، في كل مكان، تحمل قصصًا وعبرًا تستحق أن تُروى، وأن الجوهر الإنساني يبقى متشابهًا، مهما اختلفت الأماكن وتباعدت الأزمنة.