إستهداف المتقاعدين
رغم أننا نعيش في عصر حضاري يتفهّم ويحترم حفظ الحقوق الشخصية والاجتماعية والوطنية، ورغم وجود نظام يحافظ على صيانة الحقوق الخاصة والعامة للفرد والمجتمع من أي اعتداء يخل بالسلم الداخلي إلا أنه لا يزال هناك استهداف سلبي للمتقاعدين، وللأسف من بعض أفراد المجتمع الذين يسلبون توجهات المتقاعد الإيجابية ويوظفونها في صور سلبية، تقتل دوره الإيجابي في التوجهات الاجتماعية والاقتصادية التي تُعزز وتدعم التوجهات الوطنية؛ ففي هذه الفترة من عام 2024م لا زلنا نشاهد ما تتناوله وسائل التواصل الاجتماعي من صور وأنماط سلبية عن المتقاعد بصفة خاصة وعن المتقاعدين بصفة عامة؛ حيث ظهرت على الساحة الإعلامية مؤخرًا ما يُسمى الاحتفال بالمتقاعد من خلال إعداد وتنفيذ حفلة ظاهرها كريم وباطنها لئيم، تتضمن إحضار قالب كيك يتم تزيينه بصورة أو مجسم يرمز للمتقاعد، ويتضمن كتابة مبروك التقاعد وتمرير بعض العبارات التي شاع استخدامها سابقًا كسخرية من ذلك المتقاعد وأشهرها (طفوا اللمبات.. طفوا المكيفات.. أغلقوا الأبواب ارجعوا بدري ناموا بدري.. اصحوا قوموا اقتصدوا.. إلخ) ثم يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتلقى سباقًا ترويجيًّا من تجار سوق المشاهدات التي تتصاعد فيه نسبة الأرقام بين غيور ينتقد ويرفض ويستهجن تلك الأنماط السلبية، وبين مُجامل وجاهل يتندر ويتفكّه لا يعي ولا يفهم خطورة هذا الأمر وانعكاسه في تعطيل دور المتقاعد من أداء المهام الموكلة له شرعًا ونظامًا التي تقع على عاتقه كأب وكزوج، وكعائل مسؤول عن رعيته أمام الله ثم أمام المجتمع.
للأسف الكثير من المجتمع يتناقل تلك الرسائل بحُسن نية كأداة من أدوات الترفيه الإعلامي، ويغفلون عن المخاطر التي تُهدد أمن السلم الداخلي وعن آثار انعكاس تلك الأنماط والصور السلبية على أهمية الدور الفعّال للمتقاعد في دعم التوجهات الاجتماعية والاقتصادية التي تُعزز التوجهات الوطنية؛ فهذا المتقاعد عندما يطلب من أسرته إطفاء الأنوار والمكيفات عند عدم الحاجة لها أو الترشيد في الاستهلاك والترشيد في المصروفات أو الاهتمام بنواحي الغذاء والنوم، والمحافظة على الممتلكات وغيره من الالتزام بالآداب الخاصة والعامة، إنما هي متطلبات تعزز التوجهات الوطنية فشركة الكهرباء وشركة المياه شركات وطنية تُطالب بترشيد الاستهلاك؛ لأن الكهرباء والمياه ثروة وطنية والمؤسسات الأمنية تُطالب بالمحافظة على الممتلكات الاجتماعية والوطنية؛ لأنها مكتسبات وطنية والمؤسسات التعليمية والصحية تُطالب بالاهتمام برعاية وتربية الأبناء؛ لأنهم ثروة وطنية فهذا المتقاعد كعائل أيًّا كان موقعه الأسري عندما يوجه من يعول بهذه المطالب الإيجابية ما هي إلا مطالب تُعزز وتدعم التوجهات الوطنية.
أخيرًا أذكّر الجميع بأن من المتقاعدين الأمير والوزير والقاضي والمفكر والأديب، والطبيب والقائد والمدير، ومن مختلف الوظائف والمراتب الذين كانوا ولا زالوا لهم أدوار فعالة في تنمية ونهضة الوطن، ويشكلون لبنة هامة من لبنات النسيج الوطني، وأن الإساءة لهم إنما هي إساءة للوطن؛ فتلك الرسائل السلبية التي ننشرها عن المتقاعدين تؤثر في درجة تصنيف الشعب السعودي عالميًّا؛ فكل ما يتم تداوله في وسائل التواصل إنما هو تحت مجهر الاطلاع العالمي، وأن هناك منظمات وكيانات تصنف درجة حضارة الدول والأمم بناءً على عدة معايير وفي مقدمتها معيار حضارة الشعب ويعتبرونه من القوى الناعمة، ونحن كشعب سعودي أعزنا الله وميزنا على كثير من الشعوب والأمم؛ فالمملكة العربية السعودية تحتل مكانة حضارية متصدرة بين الدول العظمى بفضل من الله ثم بفضل القيادة الحكيمة لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ ولذلك فإنه يجب علينا كمجتمع سعودي أن نُعزز وندعم تلك المكانة، ونحافظ على تصنيف بلادنا ووطننا السعودية كدولة حضارية تقف شامخة عزيزة في مصاف الدول المتقدمة بمنجزاتها ومكتسباتها وبتقدم ورقي وحضارة شعبها كما أنني أدعو الله وأرجو وأتطلع أن يتضمن نظام الجرائم المعلوماتية على فقرة خاصة تُجرم الإساءة للمتقاعدين فالإساءة لهم إساءة للوطن، ودام عز المتقاعد من عزك يا وطني.