تأسست في بريطانيا 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
كتاب مفاكرة

رأيي في الاحداث السورية

كتب/أ. تركي السماري – كاتب رأي: رأيي في الاحداث السورية

اللعبة المزدوجة: الجولاني، البغدادي، وتحولات الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط

يعد صعود أبو محمد الجولاني وأبو بكر البغدادي جزءًا محوريًا من تاريخ الجماعات الجهادية في الشرق الأوسط. تباين خلفياتهما، وتحولات أيديولوجياتهما، وديناميكيات الجغرافيا السياسية المحيطة بهما تشير إلى تداخل معقد بين التلاعب الخارجي والطموح الشخصي والتخطيط الاستراتيجي للقوى العالمية. يستكشف هذا المقال احتمال أن يكون الجولاني قد تم تجنيده من قبل وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لزعزعة استقرار الجماعات المتطرفة، في حين أن ظهور البغدادي خدم أهداف إسرائيل المستقلة، والتي تقاطعت لاحقًا مع المصالح الأميركية في المنطقة.

إقرأ المزيد من صحيفة مفاكرة

شخصيتان ومساران مختلفان

أبو محمد الجولاني: الاستراتيجي

ولد أحمد حسين الشرع (الجولاني) عام 1982، وهو شخص متعلم تعليماً عالياً حيث درس الطب في جامعة دمشق قبل أن ينضم إلى التمرد في العراق عام 2003. بفضل ذكائه ومهاراته التنظيمية، اكتسب ثقة شخصيات مثل أبو مصعب الزرقاوي وأيمن الظواهري لاحقاً. اشتهر الجولاني بالانضباط والحنكة الاستراتيجية، مما ساعده على الصعود السريع في صفوف الشبكات الجهادية.رأيي في الاحداث السورية

أبو بكر البغدادي: اللغز

على النقيض، فإن صعود أبو بكر البغدادي المفاجئ كزعيم للدولة الإسلامية يحيط به الغموض. ماضيه، الذي يوصف غالبًا بأنه رجل دين هادئ، لا يتماشى مع الأساليب الوحشية والاستراتيجيات بعيدة المدى التي نفذها كزعيم لداعش. هذا التناقض بين خلفيته وأفعاله أثار التكهنات بأن صعوده ربما سهلته قوى خارجية لها مصلحة في زعزعة استقرار المنطقة.

2008: احتجاز الجولاني وتجنيده

في عام 2008، تم اعتقال الجولاني من قبل القوات الأميركية في العراق واحتجز لمدة عام تقريباً في معتقل بوكا. وبينما تشير الروايات الرسمية إلى أن إطلاق سراحه كان جزءًا من جهود أوسع لتخفيف عدد المحتجزين، تفترض نظريات المؤامرة خلاف ذلك.

لماذا قد تجند وكالة الاستخبارات المركزية الجولاني؟

1. زعزعة استقرار وحدة المتطرفين:
كان للحركات الجهادية العالمية زخم متزايد، وكان أشخاص مثل الزرقاوي يوحدون الفصائل تحت رؤية مشتركة. الجولاني، بذكائه وفهمه لهيكل الحركة، قد يكون أداة لتفكيك هذه الوحدة.

2. مخبر داخل الشبكات المتطرفة:
قرب الجولاني من قادة الجهاد وضعه في موقع يسمح بتقديم معلومات استخباراتية قيمة عن عملياتهم واستراتيجياتهم.

3. بديل مُسيطر عليه:
من خلال دعم صعود الجولاني، قد تكون وكالة الاستخبارات المركزية سعت إلى خلق مجموعة متطرفة أقل تركيزًا على الأهداف العالمية، مما يقلل من التهديد للمصالح الغربية بينما تبقى الفصائل الجهادية منشغلة بالنزاعات الداخلية.

2013: انشقاق الجولاني والبغدادي

في عام 2013، أعلن أبو بكر البغدادي عن اندماج الدولة الإسلامية في العراق وجبهة النصرة، مما أدى إلى تشكيل داعش. رفض الجولاني هذا الاندماج، وأعلن ولاءه مجددًا لأيمن الظواهري زعيم القاعدة. هذا الانقسام أضعف الحركة الجهادية ومهد الطريق لمزيد من التلاعب الأميركي والإسرائيلي.

الخطة الإسرائيلية المستقلة: صعود البغدادي

بينما سعت الولايات المتحدة للسيطرة على الفصائل الجهادية وزعزعتها، اتبعت إسرائيل استراتيجيتها الخاصة:

1. زعزعة استقرار سوريا والعراق:
أضعفت أعمال داعش الوحشية الهياكل الحكومية في كلا البلدين، مما خلق فراغًا يمنع المقاومة الموحدة للمصالح الإسرائيلية.

2. جذب إيران وروسيا:
أجبر صعود داعش إيران وروسيا على التدخل عسكريًا في سوريا، مما أدى إلى استنزاف مواردهما والحد من نفوذهما الإقليمي.

3. استخدام تهديد المتطرفين كوسيلة ضغط:
بررت تهديدات داعش العمليات العسكرية الأوسع والتحالفات في المنطقة، مما مكن إسرائيل من مواجهة التهديدات الإيرانية المتصورة.

2016: إعادة تسمية الجولاني وتحولاته الاستراتيجية

مع تطور الصراع السوري، خضع الجولاني لتحولات أيديولوجية وشكلية جذرية:

يوليو 2016: أعلن انفصال جبهة النصرة عن القاعدة، وأعاد تسميتها باسم جبهة فتح الشام. هدفت هذه الخطوة إلى الابتعاد عن الجهادية العالمية والتقرب من قوى المعارضة السورية.

2017: قاد الجولاني تشكيل هيئة تحرير الشام (HTS)، التي جمعت فصائل متعددة تحت قيادته. ظهوره بالملابس المدنية وخطابه الدبلوماسي أشار إلى تحول نحو تقديم نفسه كزعيم وطني بدلاً من جهادي عالمي.

إعادة تفعيل الجولاني

في السنوات الأخيرة، اشتدت أنشطة الجولاني، مما يشير إلى إعادة تفعيله كأداة استراتيجية:

استهداف الأسد والقوات الإيرانية:
تظل هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني قوة رئيسية في إدلب، تتحدى مباشرة حكومة الأسد وحلفاءه الإيرانيين.

تقديم بديل محلي:
يتماشى تحوله في الأيديولوجية والمظهر – من جهادي صارم إلى قومي براغماتي – مع السرد المطلوب لكسب دعم محلي ودولي أوسع.

التقاطع بين المصالح الأميركية والإسرائيلية

في البداية، كانت الأهداف الأميركية والإسرائيلية مختلفة، لكنهما توافقتا تدريجيًا:

إضعاف النفوذ الإيراني الإقليمي:
باتت كلتا الدولتين الآن تركزان على تقليص القوة الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين.

استخدام الجماعات المتطرفة كوكلاء:
أصبحت هيئة تحرير الشام وبقايا داعش أدوات لمواجهة القوات المدعومة من إيران دون تدخل مباشر.

الخاتمة: لعبة القوة المتغيرة

يسلط مسار الجولاني والبغدادي الضوء على الطبيعة المتغيرة للتلاعب الجيوسياسي. تعكس إعادة تسمية الجولاني المستمرة – من موالٍ للقاعدة إلى قومي براغماتي – احتياجات الجهات الراعية له. في المقابل، أدى حكم البغدادي الوحشي إلى زعزعة الاستقرار، مما خدم بشكل غير مباشر استراتيجيات إسرائيل وأميركا.

سواء كان هؤلاء القادة عملاء نشطين أو زعماء براغماتيين شكلتهم قوى خارجية، فإن أدوارهم توضح الفوضى المحسوبة التي تحدد الشرق الأوسط الحديث. يشير تقاطع الاستراتيجيات الأميركية والإسرائيلية إلى اعتراف أوسع بالديناميكيات التي تحكم اللعبة، مع وضع الجولاني كقطعة رئيسية في لعبة الشطرنج الجيوسياسية المستمرة.

رأيي في الاحداث السورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى