التقوى ثمرة الصيام وغاية العبادات

بقلم | منصور بن صالح بن سليمان العُمري

الحمد لله الذي أمر بالصيام وجعله طريقًا للتقوى،وفرضه على عباده كما فرضه على الأمم السابقة، فقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183).
والصلاة والسلام على من بلغ الرسالة،وأدى الأمانة،ونصح الأمة،نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التقوى غاية الصيام وفائدته العظمى:
لقد بيَّن الله -سبحانه وتعالى- أن التقوى هي المقصد الأعظم للصيام،فالصيام ليس مجرد امتناعٍ عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة روحية وأخلاقية ترتقي بالعبد ليبلغ مرتبة المتقين. وقد جاء في الحديث القدسي:
“كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به” (متفق عليه).
وهذا يدل على أن الصيام تربية للنفس على الإخلاص، وأنه يورث العبد الخشية والمراقبة،وهي من أعظم صفات المتقين.
فوائد التقوى كما وردت في الكتاب والسنة:
التقوى هي مفتاح الفلاح في الدنيا والآخرة،وقد وردت العديد من الآيات التي تبين ثمراتها العظيمة،ومنها:
أولًا:فوائد التقوى في الدنيا
1.المخرج من الشدائد والتيسير في الأمور:
قال الله تعالى:﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق: 2-3).
فالتقوى سبب للفرج من الكروب،وللرزق الواسع الذي يأتي من حيث لا يتوقع الإنسان.
2.الحفظ من كيد الأعداء والنصر عليهم:قال الله تعالى:﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (آل عمران:120).
فالتقوى درعٌ حصين يحفظ العبد من شرور الناس ومكر الأعداء.
3.الفوز بالعلم والبصيرة في الدين:قال الله تعالى:﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ (البقرة: 282).
فكلما زادت تقوى العبد،زاده الله علمًا وفهمًا،وفتح له أبواب المعرفة واليقين.
4.الفرقان بين الحق والباطل:
قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾(الأنفال: 29).
فالتقوى تمنح العبد نورًا في قلبه يميز به الحق من الباطل.
5.قبول الأعمال:قال الله تعالى:﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾(المائدة: 27).
فكلما كان العبد أتقى،كان أقرب إلى قبول عمله عند الله.
6.المغفرة وتكفير السيئات:
قال الله تعالى:﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾(الطلاق: 5).
فالتقوى باب لمغفرة الذنوب وزيادة الأجور.
ثانيًا: فوائد التقوى في الآخرة
1.الفوز بالجنة والنجاة من النار:قال الله تعالى:﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ۝ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾(القمر: 54-55).
فالتقوى هي مفتاح الفوز بالجنة والكرامة عند الله.
2.الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة:قال الله تعالى:﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(الزمر: 61).
فالمتقون في أمانٍ من أهوال يوم القيامة.
3.الكرامة عند الله:قال الله تعالى:﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(الحجرات: 13).
فالتقوى ميزان التفاضل بين العباد.
وصية الأنبياء بالتقوى:
لقد كانت التقوى وصية جميع الأنبياء لأقوامهم، لأنها مفتاح الفلاح،ومن ذلك:
•وصية نوح عليه السلام:﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ (نوح: 3).
•وصية هود عليه السلام: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ (الشعراء:131).
•وصية موسى عليه السلام: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾(الأعراف: 128).
•وصية النبي محمد ﷺ: “اتق الله حيثما كنت”(رواه الترمذي).
لتحقيق التقوى من خلال الصيام،لابد من:
1.الإخلاص في الصيام،فهو عبادة خفية بين العبد وربه.
2.حفظ الجوارح عن المعاصي،فلا غيبة ولا نميمة ولا نظر محرّم.
3.الاجتهاد في العبادة، من صلاة وقراءة قرآن وذكرٍ ودعاء.
4.الإكثار من الصدقة والإحسان،لأن ذلك من علامات التقوى.
5.الصبر والرضا،فالصيام مدرسة لترويض النفس.ولهذا ينبغي لنا أن نترفع عن الجدال والخصومات ونهيئ أنفسنا لتجاوز ماقد يعترضنا في اليوم والليلة من مواقف طارئة نواجه فيها مايسوؤنا من الآخرين بقول أو فعل وأن نحفظ صيامنا من كل ما يفسده أو ينقص ثوابه وأن نعين الآخرين على مثل ذلك ولنتذكر جيدا قول النبي عليه الصلاة والسلام رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له.
إن التقوى هي مفتاح الخير في الدنيا والآخرة،وهي الغاية العظمى للصيام،فمن تحققت فيه التقوى كان من الفائزين؛فهلّا جعلنا من رمضان بوابةً لنكون من عباد الله المتقين.
اللهم اجعلنا من المتقين، ووفقنا لصيامٍ يقودنا إلى مرضاتك وجنتك،برحمتك يا أرحم الراحمين.