قهوة الحكمة
بقلم ــ شهد القحطاني
في زوايا المدن، حيث يلتقي الفكر بالجمال، تولد أماكن تحمل روحًا تتجاوز مجرد كونها مقاهي، لتصبح منصات للمعرفة، وملتقيات للإبداع، وبيوتًا لذوي الذوق والفكر. من بين هذه الأماكن يبرز اسم “مقهى نواة” في مدينة أبها، كأحد أبرز النماذج التي تجسّد مفهوم “قهوة الحكمة” بكل ما تحمله الكلمة من عمق ودلالة.
يقع مقهى نواة في قلب أبها، لكن روحه تتجاوز الحدود الجغرافية، لتمتد إلى فضاء الفكر والثقافة والفن. هو أكثر من مجرد مكان لاحتساء القهوة، بل هو حاضنة ثقافية تحتضن الكتّاب، والمبدعين، والفنانين التشكيليين، وكل من يحمل شغفاً بالمعرفة والجمال.
في نواة، تجد الرفوف متخمة بالكتب، والزوايا تنبض بنقاشات هادئة تدور حول الأدب، الفلسفة، والتجارب الإنسانية. أمسيات شعرية، معارض فنية، جلسات توقيع كتب، ولقاءات فكرية تُعقد بانتظام، ليكون المكان بمثابة صالون ثقافي عصري، يمنح الحياة اليومية بعداً أعمق ومعنى أكثر إشراقاً .
ليست القهوة مجرد مشروب ساخن، بل هي لحظة تأمل، ووقفة بين زحام الحياة.
في مقهى نواة، تُقدَّم القهوة كما تُقدَّم القصص: بدفء، وبتركيز، وبلمسة من الحنين. لكل فنجان فيها حكاية، ولكل ركن ذاكرة، ولكل زائر تجربة خاصة تُخزن في روحه، كما تُخزن نكهات البن في الفم.
كذلك الاهتمام بالفن التشكيلي في نواة ليس هامشيًا، بل هو جزء أصيل من هوية المكان. تتزين الجدران بأعمال فنية لفنانين محليين وعرب، وتُمنح الفرصة للجيل الجديد من الفنانين لعرض أعمالهم والتفاعل مع الجمهور. كذلك الأدب يجد مكانه هناك ، من خلال رفوف الكتب المنتقاة بعناية، والمناقشات الهادئة التي تعيد طرح الأسئلة الكبرى للحياة.
ما يميز مقهى نواة هو قدرته على الجمع بين الأصالة والحداثة، بين الموروث الثقافي الجنوبي وروح العصر. إنه مساحة حرة للإبداع، تشجّع على التلاقي الفكري، وتفتح الباب أمام كل من يحمل فكرة أو حلماً أو لوحة.
في عالم تتسارع فيه الخطى، يصبح البحث عن “قهوة الحكمة” حاجة إنسانية، ومكانًا يعيد الإنسان إلى ذاته. ومقهى نواة في أبها ليس فقط أحد هذه الأماكن، بل هو أحد أهم رموزها في المملكة. إنه دعوة مفتوحة لكل من يبحث عن الفكر، الجمال، والسكينة.