الحاخام التكنولوجي في زمن الذكاء الاصطناعي.. من المركز إلى المحيط؟
ما بين الإنسان الذي يتقدم بوصفه كائنًا مبرمجًا، تزداد فيه كفاءة المعالجة وتقل فيه نسبة التردد، وبين الروح الإنسانية التي تطلب المعنى وتلحّ على القيمة، يقف سؤال جوهري: من يقود من؟ وهل ما زال الإنسان في مركز المعادلة؟
في قلب هذا السؤال تبرز فلسفات فكرية تصوغ ملامح العالم الجديد، وتُقدّم نماذج ذهنية تتعامل مع التقنية لا كأداة، بل كمشروع معرفي مستقل، يملك رؤيته الخاصة للكون والإنسان والمصير.
هذه الرؤية لا تنفصل عن منظومة أوسع، تتعمد إخضاع “الروح” لصالح “النظام”، وتحويل العقل إلى أداة تنفيذ لا إنتاج. فالمستقبل في هذا السياق ليس حلمًا نبيلًا، بل ناتج حتمي لبرمجة متقنة، تنزع من الإنسان حريته التكوينية، وتمنحه وهم السيطرة في حين أنه خاضع لمنظومات لا يراها.
الرؤية ذاتها تطرح الإنسان الطبيعي بوصفه كائنًا متقادمًا، في مقابل كائن “افتراضي” جديد: الإنسان المُرمز، المُراقب، المُقاد بالبيانات. ومن هنا، يتحول الإنسان من صانع إلى كائن مصنوع، من مركز القيادة إلى هامش التلقي.
في ظل هذه التحولات، يبقى السؤال الكبير: هل يمتلك العالم الإسلامي ما يكفي من الأدوات الفكرية والعقدية لصياغة تصور موازٍ لهذا النموذج؟ وهل يمكن أن يكون الدين – لا بوصفه طقوسًا، بل كمصدر للمعنى – عنصرًا فاعلًا في إعادة التوازن لعالم مفرط في مادّيته؟
إن غياب مشروع فكري رصين، قادر على فهم التقنية من الداخل لا من الخارج، لن يُنتج سوى ردود أفعال عاطفية، إما بالرفض الكلي أو التبعية الكلية. أما الخيار الثالث، وهو الأهم، فيكمن في نقد النموذج دون كراهية التقنية، ومساءلة الفلسفة دون الخوف من التطور.
فلسفة “الحاخام التكنولوجي” ليست مجرد أفكار تُطرح في الكتب، بل منظومة تزداد تغلغلًا في المؤسسات، والتعليم، والاقتصاد، وحتى في طريقة تصوّر الإنسان لذاته. ولهذا فإن مواجهتها لا تكون بالصوت المرتفع، بل بالعقل المرتكز، والعلم المنضبط، والرؤية العميقة.
نحن بحاجة إلى أن نستعيد موقعنا في قلب المعادلة الحضارية، لا كمجرد مستهلكين، بل كمشاركين في تحديد اتجاه المعرفة ومقاصدها. ولعل أول الطريق يبدأ بسؤال بسيط: لمن تُكتب الأكواد؟ ومن يملك الخوارزميات؟ وما هو “الإنسان” الذي تصنعه التقنية في زمنٍ أصبح فيه الواقع ذاته… افتراضياً؟
#الفكر_التكنولوجي #الفكر_العقدي #الذكاء_الاصطناعي #الوعي_الجديد #الرؤية_الإسلامية #النقد_المعرفي #المستقبل_والقيم