صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011إ
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مـقال

الحكيمُ يغفرُ إساءةَ الجاهل!

بقلم: عيسى المزمومي

في مسيرة الحياة، لا يَسلم الناجح من نبال الحسد، ولا يُعفى المتفوّق من تجارب الظلم والتشويه. تظلّ المواقف الصعبة محكًّا حقيقيًّا يميز بين الحكيم و السفيه، بين من تَصقله التجارب، ومن تَكسره الأحداث!
من أقسى الابتلاءات أن تأتيك الطعنة ممّن يُفترض أنهم الأقرب، فإذا بهم يتحوّلون — لعلل خفية أو أمراض نفسية — إلى أبواق باطلة، يسيرون خلف الجهل والحقد والتسلّط، ويُسخّرون أنفسهم أدوات في يد من لا يعرفون لله وقارًا ولا للحق وزنًا.
لقد مررتُ بتجربة شخصية مؤلمة، ليست الأولى في سياقها، لكنها كانت من أشدّها أثرًا. اجتمع فيها التسلّط، وتزييف الحقيقة، وتآمر الأقربين. نُسجت دعوى واهية، وتُليت حولها من الأكاذيب ما تقشعر له الجلود، في محاولة دنيئة لاغتيال السمعة، وربما اغتيال الروح. غير أن العدل الإلهي لا ينام، فقد تكشّف الزيف، وانفضح التناقض، وسقط القناع عن وجوه لطالما تجمّلت بالنوايا الزائفة. وقد يُقال: “لكنّك تضرّرت ماديًّا!” أجل، لقد كلّفتني تلك الافتراءات مالًا وجهدًا ووقتًا، ولكن — بحق الله — هل يُقاس الشرف بالمال؟ وهل تُشترى السمعة أو الكرامة بثمن؟ إن الخسائر المادية تُعوض، ولكن راحة الضمير لا تُقدّر، ونصرة الحق لا تُقايض!
الجاهلون أساؤوا لأنفسهم قبل أن يُسيئوا لي، وسقطوا في هوة من التعصّب والغيرة والجهل، تلاعبت بهم الأوهام كما تتلاعب الريح بورقة خاوية. لقد أكدت لي هذه التجربة المريرة حقيقة لطالما كانت ماثلة أمام عيني: “جماعتك جيبك، والأقارب تفاريق” إلا من رحم ربي.
فقد أثبتت مواقف بعض الأقارب — بما لا يدع مجالًا للشك، وبما وثّقته وقائع — أن الأخلاق قد تنهار حين يغيب الضمير، وأنّ من نثق بهم أحيانًا لا يفرقون بين الحزم والظلم، ولا بين النقد والبغي، ولا بين المحبة والتشفّي.ومع ذلك كله، لم أسمح لنفسي أن أنحدر إلى مستواهم. الحكيم لا يُقابل الإساءة بمثلها، بل يتجاوزها بوعي، ويغفر زلّة الجاهل، لا عن ضعف، بل عن رفعة. لا فرارًا، بل تطهّرًا من الوقوع في ذات المستنقع الآسن.
فمكارم الأخلاق لا تُختبر في لحظات الودّ، بل تُختبر حين تُصفع كرامتك، وتُداس إنسانيتك، ويُساء الظن بك عمدًا. حينها فقط، يتجلى معدن النفس، وتُثبت التربية حضورها، وتعلو منزلة “العفو عند المقدرة”. أما الظلم، فعاقبته آتية لا ريب فيها.إن الله يغفر ما كان في حقه، أما حقوق العباد فلا تسقط إلا بالاعتذار أو بالإنصاف. فكثير من الظالمين يعيشون طمأنينة زائفة، ولا يدرون أن العدالة الإلهية تسير نحوهم بخطى ثابتة، لا تُعجَل، ولكنها لا تُهمل.
رسالتي إليك، أيها القارئ الكريم، وإليكِ، أيتها القارئة النبيلة: لا تجزع من خذلان الأقربين، ولا تنكسر أمام إساءة الجاهلين. فالحق لا يموت وإن غُمر بالباطل، والله لا يُغفل دمع المظلوم ولا تنهيدة الصادق.
سامح من أساء إليك، لا لأجله، بل لأجلك. لأجل قلبك الذي يستحق السلام، ووجدانك الذي لا يليق به أن يُثقل بالأحقاد.
فلنرتقِ بأنفسنا، ولنتذكّر دائمًا: ليس كل من سكت عن الرد ضعيفًا، بل قد يكون عزيز النفس، عميق الحكمة، سامي الأخلاق!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى