صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011إ
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مـقال

قوة الإبداع!

بقلم: عيسى المزمومي

“الإبداع ليس لحظة وحي، بل قرارٌ بالتحرّر من التكرار.”الإبداع ليس امتيازًا بيولوجيًا يُمنح لقلة من البشر عند الولادة، بل هو مهارة كامنة يمكن صقلها وتطويرها، بل وتفجيرها متى ما أُتيحت للعقل فسحة من الحرية، وللروح مساحة من التأمل. إنه القدرة على الخروج من أسر التكرار إلى فضاء التجديد، وعلى تجاوز المألوف إلى آفاق الاحتمالات!
في هذا السياق، تُعد البرمجة اللغوية العصبية (NLP) إحدى أبرز الأدوات التي تمكّن الإنسان من إعادة تشكيل خارطة إدراكه للعالم، وتوسيع أفقه العقلي، وتفعيل مناطقه الذهنية غير المستغلة، مما يمنحه قدرة استثنائية على التفكير الإبداعي. فإذا كان الإبداع يُولد من رحم الخيال، فإن NLP تمثّل القابلة الذهنية التي تولّده بوعي ومنهجية. ليست تقنيات فقط، بل فلسفة متكاملة في إعادة تأهيل الذات وتوسيع طاقات الذكاء الشعوري.
ومن رموز الإبداع في المشهد الثقافي والفني السعودي، يبرز الشاعر والمفكر محمد العلي، والموسيقار الدكتور طلال، كنموذجين جسّدا فلسفة الإبداع، وعبّرا عنها بمضامين متجددة. كسر كلاهما القوالب التقليدية، وصاغا مسارات جديدة للفكر والموسيقى. وفي كل تجربة لهما، نستطيع أن نلمس تجسيدًا حيًّا لما تعنيه البرمجة الذهنية حين تتحول إلى إبداع.من صميم تقنيات NLP أنها تدعو لتجاوز الرؤية الأحادية. العقل لا يرى العالم كما هو، بل كما اعتاد أن يراه. لذلك، فإن تحرير الإدراك من قوالبه هو المفتاح الأول للإبداع. وهذا ما نلمحه بوضوح في نصوص محمد العلي التي تجاوزت الأطر الشعرية التقليدية، وأعادت ترتيب العلاقة بين المفردة والمعنى، وبين الذات والواقع. وكذلك في ألحان طلال التي لم تأتِ نسخًا مشفّرة من الماضي، بل طرزت صوتًا فنيًّا فريدًا لا يُشبه غيره.
الإبداع لا يعني الابتكار فقط، بل المرونة في استقبال الجديد، وإعادة ترتيب المفاهيم. فقد تحدّى محمد العلي المسلّمات الثقافية بلغة شعرية تجمع بين الرشاقة والعمق، كما استطاع طلال أن يُحدث ثورة هادئة في التلحين، ليصوغ ألحانًا تحمل بصمته الخاصة دون أن تحتاج إلى توقيع!
تنظر NLP إلى اللاوعي كمخزن هائل للاحتمالات والأفكار غير المستثمرة. الإبداع الحقيقي يبدأ من هناك، من الغوص في العمق. لقد عكست ألحان طلال هذه القدرة على لمس الوجدان والذاكرة بصوت غير مألوف، كما ترجمت كتابات العلي هذا السبر اللاواعي نحو أسئلة الوجود والمعنى.
من أبرز أدوات NLP أيضًا، إعادة تعريف الواقع. فالمبدع لا يغيّر الحقائق، بل يغيّر زاوية النظر إليها. وقد أعاد محمد العلي تعريف القصيدة الحديثة لتصبح مساحة للتفلسف، لا منصة للخطابة، فيما أعاد طلال تشكيل المشهد الموسيقي العربي، متجاوزًا الأوزان المعتادة إلى طاقات إحساسية فريدة.
وُلِد محمد العلي عام 1932 بالأحساء، وتنقّل بين علوم الدين والأدب، ليصنع مشروعًا ثقافيًا وفكريًا شكّل منعطفًا في حركة الحداثة بالسعودية. أعماله الشعرية كديوانه “لا ماء في الماء”، والفكرية كـ”البئر المستحيلة”، كانت دعوات جريئة إلى تأمل الذات والكون برؤية تتجاوز المسلمات. أما الدكتور طلال، فقد بدأ رحلته الفنية في صمت، وترك أثرًا لا يُمحى. منذ انطلاقته عام 1982 بأغنية وطنية لطلال مداح، حتى وصل إلى أكثر من 800 عمل موسيقي حتى نهاية 2022.

ومن أبرز ألحانه:

– “رماد المصابيح” – محمد عبده
– “كل الكلام” – نجاة الصغيرة
– “متى يأتي المساء” – ماجدة الرومي
– “أين أذهب” – صابر الرباعي
– “العاشق الهايم” – سعد لمجرد
– “عندي فكرة” – سعد لمجرد ويسرا محنوش

وقد حققت بعض أعماله مراكز عالمية متقدمة، منها أغنية “عندي فكرة” التي بلغت المرتبة الخامسة في Global Music Charts. يمكن لأي شخص صقل مهاراته الإبداعية من خلال عدد من تقنيات NLP: تغيير زاوية الرؤية: اسأل نفسك دوماً: “ماذا لو رأيت الأمر بشكل مختلف؟” التأمل والتساؤل: لا تقبل الأمور كما هي، اسأل “لماذا؟” و”ماذا لو؟”.
ولم يعد الإبداع ترفًا بل شرطًا للبقاء والتفوق. ومن خلال أدوات مثل البرمجة اللغوية العصبية، يمكن لكل فرد أن يستخرج من داخله طاقات الإبداع الكامنة، ويحوّل عاديات يومه إلى بصمات غير مألوفة. لقد كان محمد العلي والدكتور طلال مثالين ناصعين على أن الإبداع ليس لحظة إلهام عابرة، بل مشروع حياة، وشجاعة فكر، وإصرار على اختراق المألوف.
فهل نحن مستعدون لاكتشاف عبقريتنا؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى