صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011إ
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
ضيف القلم

عبدالله السيهاتي: التاجر المثقف والإنسان التاريخ!

بقلم ــ علي السبع

في عالم تتنازعه المصالح وتزدحم فيه التحديات، تبرز شخصيات نادرة تصنع فرقاً بين من يعيش لنفسه ومن يعيش لغيره. ومن بين هذه الشخصيات، يسطع اسم أخي الأستاذ الدكتور عبدالله السيهاتي، الرجل الذي جمع بين المال والمعرفة، بين حنكة التاجر وبصيرة المثقف، ليؤكد أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بما نملك، بل بما نمنح.
عند مرافقتي له في زيارة إلى أحد المتاحف في مصر، لمست فيه شغفاً يتجاوز حدود الفضول؛ كان يقرأ التاريخ كما لو كان نصّاً حيّاً، يربط الماضي بالحاضر، ويستحضر الدروس من بين جدران عتيقة وأحجار صامتة. هناك أدركت أن السيهاتي لا ينظر إلى الحضارات كأمجاد منتهية، بل كبذور متجددة تذكّر الإنسان بمسؤوليته تجاه بناء المستقبل.ينتمي الدكتور السيهاتي إلى عائلة عريقة في المنطقة الشرقية، نشأ في بيئة تُقدّر الجد والاجتهاد، فحمل ذلك الإرث وأعاد صياغته بروح معاصرة. لم يكن نجاحه مجرد امتداد لعائلته، بل ثمرة عزيمة شخصية ورؤية تتجاوز حدود الذات. فقد حصل على بكالوريوس الهندسة المدنية التطبيقية من كلية البترول والمعادن بالظهران، ثم نال الدكتوراه الفخرية في الاقتصاد وإدارة الأعمال من الكلية الملكية الأيرلندية في دبلن عام 1424هـ. غير أن قيمة شهاداته لم تكن في أوراقها، بل في قدرته على تحويل المعرفة إلى مشاريع تعود بالنفع على مجتمعه ووطنه.
في المجال الرياضي، ترك بصمة واضحة؛ إذ ترأس مجلس إدارة نادي الخليج في سيهات بين عامي 1417هـ و1421هـ، وأطلق الدورة الرياضية الرمضانية عام 1429هـ، مؤمناً بأن الرياضة ليست ترفاً، بل وسيلة لبناء الأجساد والعقول وغرس القيم. أما في عالم الأعمال، فقد أدرك السيهاتي أن الاستثمار الحقيقي هو الذي يتجاوز الحسابات المالية ليصبح استثماراً في الإنسان. لذلك أسس مركز السيهاتي الطبي بمحافظة القطيف، وواصل دعمه للمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والرياضية. وقد نال بفضل جهوده جائزة السعودة في الرياض لعامي 1420هـ و1421هـ، وتكريماً من جمعية الأعمال والصداقة الأوروبية العربية في دبلن عام 1424هـ، ولقب سفير التراث السعودي في الهند عام 1426هـ. كما حاز على جائزة الأمير محمد بن فهد لخدمة أعمال البر عام 1430هـ، متصدراً فرع المتبرعين من رجال المال والأعمال، ثم توج مسيرته بتكريم رفيع عام 2019م من الملتقى العربي الأوروبي للسلام العالمي في الشارقة، حيث مُنح شهادة صناع السلام في العالم.إن فلسفة الدكتور السيهاتي تقوم على أن المال بلا ثقافة قشرة فارغة، وأن الثقافة بلا عمل صدى لا يسمعه أحد. لذلك عاش معادلة متوازنة بين الفكر والممارسة، بين الطموح الفردي وخدمة الجماعة. ولعل أجمل ما يميّزه أنه لم يسعَ إلى الضوء لنفسه، بل حمل الضوء ليبدد عتمة الآخرين.
وجود شخصيات مثل الدكتور عبدالله السيهاتي في مجتمعنا ليس مجرد مكسب، بل ضرورة. فهم الذين يثبتون أن الأوطان لا تُبنى بالخطابات وحدها، بل بالعطاء المستمر، وأن القيم الإنسانية هي الاستثمار الأبقى الذي لا يخسر مع تقلب الأزمنة. إن السيهاتي نموذج يُذكّرنا بأن الحياة الحقيقية هي أن نترك وراءنا أثراً يبقى حين ننتهي، وأن النجاح لا يكتمل إلا إذا تحوّل إلى رسالة إنسانية يتوارثها الجيل بعد الجيل!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى