صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
ضيف القلم

مفهوم الانفتاح السلبي!

بقلم: عيسى المزمومي

في زمنٍ صار فيه العالم شاشةً مضيئة تُطلّ علينا من كفِّ اليد، وفي عصرٍ تتسارع فيه الخطى حتى تكاد تسبق أنفاسنا، يُغدو الحديث عن الانفتاح ضرورة لا مهرب منها. غير أنّ ما نراه اليوم ليس دائمًا انفتاحًا على النور، بل كثيرًا ما يكون انكشافًا على العتمة، حيث تتداخل الحرية مع الفوضى، وتختلط المدنية بالانحلال، حتى بات بعض شبابنا وفتياتنا يظنون أن التطور لا يكون إلا بخلع أثواب القيم والتجرد من الفضيلة!
أيُّ انفتاح هذا الذي يجعل الفتاة تهرب من بيتٍ هو في الأصل حضنها وملاذها؟ وأيُّ انفتاح ذاك الذي يجرّ الابنة لتضرب أمًّا أنهكتها الليالي في الحمل والوضع والسهر؟ وهل يكون جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!
لقد غدا الانفتاح عند البعض رخصةً للتعري في المقاهي والطرقات، والتباهي بأجساد تُعرض كما تُعرض السلع، وكأن وجود الكاميرات يبرّر غياب الضمير، وكأن الحرية تعني التنازل عن الحشمة. إن الضابط الحقيقي ليس عدسة مراقبة، بل وازع داخلي يذكّر صاحبه بأنّ الله مطّلع عليه، وأنّ الكرامة الإنسانية لا تُشترى ولا تُباع.الانفتاح السلبي، في جوهره، ليس سوى مرآة تعكس ضعف الإنسان أمام شهواته. فحين يفقد المرء بوصلته، يغرق في دوامات القلق والاكتئاب، ويصبح صيدًا سهلاً للمحتوى المضلل: صور مثيرة، أفكار مشوَّشة، دعوات متطرفة، وظواهر غريبة كعبدة الشيطان واختلاطٍ لا يعرف للحدود حرمة!!
إنّه انفتاح يُغلق الأبواب على القيم، ويفتح النوافذ على الريح. وهكذا تتآكل الهوية الثقافية شيئًا فشيئًا، إذ يجد الشباب أنفسهم بين مطرقة ضغوط الحياة الغربية وسندان جذورهم الأصيلة. هنا ينشأ الصراع: أيميلون إلى التقليد الأعمى لما يُعرض أمامهم؟ أم يشدّون على ما تبقّى من إرثٍ يحفظ لهم اتزانهم؟!
إنّ العلاج لا يكمن في المنع وحده، بل في التوجيه الواعي. فالمجتمع الذي يحاور أبناءه، ويمنحهم الثقة، ويغرس فيهم تقوى الله قبل كل شيء، قادر على تحويل الانفتاح من تهديد إلى فرصة، ومن فوضى إلى نظام، ومن ظلام إلى نور.
فالانفتاح ليس شرًّا في ذاته، ولكنه يصبح كارثة حين يُفهم بمعناه السطحي: تمرد على الفضيلة، وانجراف مع التيار بلا بوصلة. أمّا حين يُفهم بوصفه أفقًا جديدًا للعلم والفكر، محكومًا بميزان القيم، فإنه يتحوّل إلى جناحين يرفعان الإنسان نحو قمم الرقي. فلنجعل من تقوى الله ذلك الميزان الذي لا يختل، ولنتذكّر أن الانفتاح الحقّ لا يكون بتمزيق أثواب الحشمة، بل بارتداء ثوب الوعي، وأن الحرية الحقيقية ليست حرية الجسد، بل حرية الروح حين تتحرر من أسر الشهوة والهوى!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى