صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
عتاوين غائبة

حين تعود الذكرى.. نقرأ عبدالله مناع من جديد

جدة – خاص
في الخامس عشر من صفر عام 1359هـ، وعلى وقع الموج المتلاطم في حارة البحر بجدة، وُلد طفل لم يكن يعلم أحد أن صوته سيبقى يتردد في فضاء الصحافة والفكر لعقود، طبيب فم وأسنان في مهنته، لكن طبيبًا للغة والوجدان في رسالته.
هو الدكتور عبدالله مناع (1940 – 2021)، أحد أعلام الصحافة السعودية وروادها، بل من الذين كتبوا تاريخًا موازيًا بين عيادات الطب ودهاليز الحبر.

من جدة إلى الإسكندرية.. بداية الرحلة

نشأ مناع في بيئة جدة القديمة، وتدرج في تعليمها حتى حاز الثانوية من مدرسة القصور السبعة في حي البغدادية. وفي عام 1957م، حملته البعثة إلى مصر، حيث التحق بكلية طب الأسنان في جامعة الإسكندرية، وهناك بدأ أولى خطواته في النشر الأدبي والصحفي عبر مجلة “الرائد”، ليجمع منذ البدايات بين الطب والقلم.

في عام 1960م، أصدر مجموعته الأولى “لمسات”، وواصل نشر خواطره وقصصه، ثم كتب قصته الشهيرة “على قمم الشقاء”، التي نشرت على تسع حلقات في الرائد دون أن تُطبع لاحقًا.

العودة إلى الوطن.. بين العيادة والتحرير

عاد مناع إلى جدة عام 1962م، ليبدأ عمله طبيبًا في مستشفى جدة العام، وبالتوازي، انخرط بقوة في العمل الصحفي، محررًا وكاتبًا في جريدة “الرائد”، ثم “المدينة”، حيث أطلّ عبر أبواب ثابتة مثل “مضيء ومعتم”، و**”الطرف الآخر”، و“الباب المفتوح”**، يكتب بردّ ابن الشاطئ، ويحلل بأفق مثقف لا يُحد.

فارس المؤسسات الصحفية

حين تأسست المؤسسات الصحفية، اختير عضوًا في مؤسسة البلاد، وسكرتيرًا للجنة الإشراف على التحرير، وتولى رئاسة تحرير جريدة البلاد وكتب عاموده الشهير على صفحتها الأولى “صوت البلاد” (1965–1966).

ثم انتقل إلى “عكاظ”، ومنها إلى مجلته التي أسسها وشكّلها: “اقرأ”، التي كُلّف بإصدارها عام 1974م، فصنع منها واحدة من أبرز مجلات المملكة الثقافية والاجتماعية، وظل رئيسًا لتحريرها حتى عام 1987م.

في منتصف مسيرته، تفرغ للكتابة والعمل الإداري، إذ عُين عضوا منتدبًا لدار البلاد ثم رئيسًا لمجلس إدارتها، كما ترأس تحرير مجلة “الإعلام والاتصال” الصادرة عن الجمعية السعودية للإعلام والاتصال عام 1998م.

بين المنبر والمحبرة

لم يكن مناع مجرد صحفي أو كاتب عمود، بل محاضرًا ومفكرًا حاضرًا في النوادي والمناسبات. قدّم محاضرات لافتة مثل “الصحافة والحقيقة” بجامعة الملك عبدالعزيز، و”الجهل كارثتنا” بنادي النصر، ومحاضرات أدبية وفكرية عن رواد الثقافة السعودية من أمثال حمزة شحاتة وعبدالله عواد وحمد الجاسر.

كاتب متعدد المذاقات

خلف مناع إرثًا أدبيًا وثقافيًا زاخرًا، توزعت مؤلفاته بين القصة والمقال والرواية والسيرة، منها:

  • أنين الحيارى (1966)

  • ملف أحوال

  • الطرف الآخر

  • بعض الأيام بعض الليالي

  • العالم رحلة (1988)

  • شيء من الفكر (1992)

  • إمبراطور النغم

  • جدة الإنسان والمكان

  • كان الليل صديقي

  • شموس لا تغيب نجوم لا تنطفئ

  • أمسيات الثلوثية (2021)

عضويات ومشاركات

كان عضوًا فاعلًا في عدة مؤسسات:

  • مؤسسة البلاد

  • نادي جدة الدولي الثقافي

  • جمعية الثقافة والفنون

  • مجلس إدارة تهامة

  • منتدى التنمية الخليجي
    كما شارك في محافل فكرية مهمة كمؤتمر المثقفين بالقاهرة 1992، واحتفالية مجلة الهلال المئوية، وندوة الأهرام عن المشروع الحضاري العربي.

الرحيل.. وأثر لا يُمحى

في 23 يناير 2021م، غاب مناع جسدًا، لكنه بقي أثرًا لا يُمحى. نعته الصحف والمؤسسات الثقافية، ووصفه المثقفون بـ”طبيب جدة وصحافي الوطن”، فيما كتبت عنه العناوين:
“عروس البحر تفقد ذاكرتها البصرية”

لقد كان عبدالله مناع تجربة ثقافية متكاملة، تكتب من الذاكرة وتداوي بالمعرفة، جمع بين مهنة تداوي الجسد ومهنة تُعالج الوعي، فكان بحق… ابن الشاطئ الذي غرس قلمه على ضفاف كل ذاكرة سعودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى