غالب حمزة أبو الفرج… أن تكتب لتؤسّس، وأن تحكي لتصنع ذاكرة
في كل بيت من بيوت الصحافة السعودية القديمة، ثمة أثر له. لا يشير إليه الضوء، بل تشهد عليه الأبواب التي فُتحت، والمسارات التي شقّها قلمٌ ظل وفيًا للحكاية، مخلصًا لفكرة أن الكلمة موقف، وأن الصحافة ذاكرة وطن.
غالب حمزة أبو الفرج (1921 – 2006)، لم يكن مجرد قاص أو روائي أو صحفي، بل كان حالة ثقافية متكاملة، تتقاطع فيها السردية بالحرفة الإعلامية، ويتجاور فيها العمل المؤسسي بالخيال الأدبي. هو من أولئك الذين يكتبون كما يعيشون: بتوقير، وهدوء، وثبات.
وُلد في زمن كانت فيه السعودية تتشكل على مهل، لكنه لم ينتظر اكتمال الصورة. دخل مبكرًا إلى المشهد الثقافي والإعلامي لا كمتلقٍ، بل كصانع. تنقّل بين الصحف، وكتب الرواية، وأسّس أول صحيفة سعودية باللغة الإنجليزية، حين لم يكن ذلك سوى رهان على المستقبل.
شغل مناصب مفصلية في مسار الإعلام السعودي؛ من إدارة المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر قبل تأسيس وزارة الإعلام، إلى إدارته للصحافة والنشر بعد التأسيس، وصولاً لرئاسته لتحرير ثلاث من أعرق الصحف السعودية: المدينة المنورة، أم القرى، البلاد، وهو ما جعله جزءًا من الذاكرة المؤسسية للصحافة الوطنية، لا مجرد شاهد على تطورها.
لم يكن أدبه ناتجًا عن فراغ، بل من معايشة عميقة لتحولات الداخل والخارج. في رواياته الأربع عشرة، وعلى رأسها واحترقت بيروت والشياطين الحمر.. أو حادث في فيينا، كتب عن الإنسان العربي المتعب، عن المدن التي تحترق وتنهض، وعن الأوطان التي لا تموت إلا حين نصمت. لم تكن أعماله انعكاسًا للواقع فحسب، بل محاولات دؤوبة لفهمه، وتحليله، والاحتفاظ به ضمن أرشيف سردي بعيد عن الادّعاء وقريب من الوجدان.
ولأنه فهم الإعلام بمعناه الحقيقي، ألّف في مجاله كتبًا تُرجمت إلى نحو ثلاثين لغة، مؤمنًا أن الكلمة حين تكون راسخة، تسافر أبعد من الجغرافيا، وتبقى أطول من عمر أصحابها.
اليوم، حين يُذكر غالب حمزة أبو الفرج، فإننا لا نستحضر اسماً فحسب، بل نقرأ سيرة رجلٍ كان حاضرًا في ولادة الرواية السعودية الحديثة، وفي صياغة خطابها الإعلامي، وفي بناء جسور الحوار بين الداخل والعالم.
لقد رحل بهدوء في العام 2006، لكن شيئًا منه بقي: في أرشيف الصحف، في رفوف الأدب، وفي ذاكرة مَن آمنوا يومًا أن الصحافة ليست مهنة، بل موقف. وأن الرواية ليست حكاية، بل وعي.