صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011إ
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مقالات

بين التخلي والاستغناء .. حكاية اتزان ونضج

استوقفني مؤخرًا تساؤلٌ عميق:
ما الفرق بين التخلي والاستغناء؟ وما الذي يُوصلنا إليهما؟

نقابل في حياتنا أشخاصًا، ونرتبط بعلاقات، ونحمل أفكارًا لفترات طويلة… حتى تتحوّل تلك الروابط إلى أعباء ثقيلة تثقل قلوبنا وعقولنا. أعباء تجبرنا يومًا على إعادة النظر في كل شيء: في المواقف، في الذكريات، وفي أنفسنا أيضًا.

وهنا يبدأ الجواب بالظهور…
إذ إن بين التخلي والاستغناء خيطًا رفيعًا، لكنه يُحدث فرقًا كبيرًا في التجربة الشعورية، وفي درجة وعينا بذواتنا.

يقول سيغموند فرويد:
“في اللحظة التي نتوقف فيها عن السعي وراء شيء لا يُريدنا، نبدأ باستعادة أنفسنا.”
وهذه اللحظة الفارقة بين التعلق والتحرر، هي لحظة التخلي.
فـ التخلي لا يعني أننا لم نعد نرغب أو نحتاج، بل قد نكون في أمسّ الحاجة، لكننا نختار أن نترك، لأن التمسك بات يؤلمنا أكثر مما يبهجنا. إنه فعلٌ شجاع، يتطلب مواجهة الذات، وكسر حلقة التعلق، والتغلب على الأمل الكاذب.
إنه الخطوة الأولى نحو احترام النفس، حتى وإن كان في بدايته مؤلمًا أو مصحوبًا بفراغ.

أما الاستغناء، فهو المرحلة التالية…
حين تهدأ العاصفة، وتتوقف الأسئلة، ويزول الارتباك. حين تكتشف أنك لم تعد بحاجة لما كنت تتوق إليه. لم يعد له سطوة على قلبك، ولا وزن في قراراتك. الاستغناء لا يحدث فجأة، بل يتكوّن بصمت…
مع كل لحظة وعي، وكل قرار راقٍ، وكل حدودٍ تضعها بكرامة من أجل سلامك الداخلي ..
التخلي شجاعة… والاستغناء نضج.
التخلي يُبنى على الإدراك، والاستغناء يُولد من الشفاء، ويأتي حين نصبح أقوى…
وبين هذين التحولين، نتحوّل نحن…
نُصبح أكثر وعيًا، أكثر احترامًا لذواتنا، نختار مايليق بنا..نُدرك أن من نتركه اليوم، قد يكون ما يُنقذ أرواحنا غدًا…ونتعلّم أن الحياة لا تُقاس بمن تمسكنا بهم، بل بمن تمكّنا من التخلي عنهم لنختار أنفسنا أخيرًا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى