صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011إ
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مقالات

المدينة تقرأ.. وأنا أستمع لنبض الحرف

منذ لحظة دخولي إلى معرض الكتاب في المدينة المنورة، شعرت وكأنّني أدخل إلى فسحة مختلفة من العالم… فسحة تتكئ على رفوفها الكتب، وتتنفس في هوائها الكلمات، ويتصافح الزوّار فيها بمودة الحرف لا بضجيج الأحاديث العابرة.
من 29 يوليو وحتى 4 أغسطس 2025، لم تكن المدينة المنورة مجرّد مدينة، بل كانت مكتبة مفتوحة للسماء، تتنقل فيها بين العناوين كما تتنقل الأرواح بين الذكريات، وتشعر أن كل زاوية تناديك، كل دار نشر تهمس لك، وكل غلاف كتاب يختبئ خلفه عالم ينتظر أن تُطرق أبوابه.
، كانت التفاصيل تتحدث تحت شعار. “المدينة تقرأ”
الأطفال يمسكون كتبًا أكبر من أعمارهم، وكبار السن ينحنون برفقٍ فوق العناوين كما لو كانوا يقرأون الماضي، والكتّاب يوقعون أحلامهم على دفاتر قرّائهم بابتسامةٍ يملؤها الامتنان.
في إحدى الزوايا، وقفتُ طويلًا أمام ركنٍ يعرض كتبًا مستعملة، تفوح منها رائحة من قرأها قبلي، من سهر على سطورها، وكتب في هامشها ” هذه الصفحة أنقذتني”
وفي زاوية أخرى، لامستني تجربة الواقع الافتراضي “أنا المدينة”، تلك التي جعلتني أُحلّق ما بين الأزمنة، وأشاهد المدينة ومكة كما لم أشاهدهما من قبل، بنبضٍ بصري وعاطفي جعلتني أعيد تعريف ما تعنيه كلمة “الانتماء”.
لكن المعرض لم يكن كتبًا فقط، بل كان أصواتًا، نقاشات، لقاءات، قراءات شعرية، وورشًا تتسلل إليك كأنها تحاورك شخصيًا. شعرت وكأن المعرض ليس فعالية عابرة، بل مساحة لأسئلة طالما أخفيناها بيننا وبين أنفسنا.
وكانت خطايَ تعرف الطريق… إلى ركن المؤلف السعودي
في قلب المعرض، وقفتُ على عتبةٍ أعرفها جيدًا، وأحبها أكثر: ركن المؤلف السعودي.
ليس مجرّد ركن، بل ذاكرة حيّة…
فيه وُلدت بعض أحلامي، ومنه انطلقت كلماتي الأولى نحو جمهورٍ لا أعرفه، لكنه احتضنني كأننا أصدقاء حرف منذ زمن.
لقد كنتُ واحدة من أولئك الذين صدّقوا هذا الركن منذ بداياته، وشاركت فيه على مدى ستة مواسم متتالية، بكل ما تحمله هذه التجربة من فخر ومحبة وامتنان.
شاركت بكتبي:
”متكأ وخاطرة”، الذي جمع بين الخيال البصري والخيال الأدبي،
و*”وما بعد الخيال شعور”*، الذي تماهى مع الروح في فضاءات الحب والدهشة
هذا الركن لم يمنحني فقط منصة للتوقيع، بل منحني إحساسًا عميقًا بأنّ هناك من يقرأ، من يحتفي، من يؤمن بكاتبته الصغيرة التي خرجت من الورق إلى الواقع.
وما زلتُ، بعد ست مواسم، أشعر أنني أنتمي هنا… أنتمي لهذا الركن كما أنتمي لكتبي، لذاتي، لذاك الشعور الأول حين رأيت اسمي على الغلاف.
خرجت من المعرض وفي داخلي مدينة أخرى، مدينة لا تظهر على الخريطة، لكنها تسكنني…: اسمها  “القراءة”.
شكر وامتنان
وقبل أن أطوي صفحة هذه التجربة، أود أن أمدّ يدي شكرًا لكل من جعل هذا الحلم ممكنًا…
إلى كل من وقف خلف الكواليس لينبض هذا المعرض بالحياة:
شكري العميق لهيئة الأدب والنشر والترجمة، التي كانت ولا تزال، حاضنة الكتّاب، ومؤمنة بالكلمة، وممهدة الطريق أمامنا لننطلق ونحلم ونكتب.
لكل المنظمين، والمتطوعين، والقلوب التي رتبت هذا الجمال بحب واحتراف،
لكم من فاطمة الصباح كل الحروف المضيئة، وكل الدعوات بأن تستمروا في جعل الأدب قريبًا من القلب، والكتاب وطنًا متنقلاً بين الأيادي .

X. @fatemah_sab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى