صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مقالات

لا حياة لمن تنادي؟!

الحياة في جوهرها ظاهرة معقدة، تتشابك فيها مشاعر الإنسان بعقله، وتترابط أبعادها الفردية والاجتماعية مع قضاياه الوجودية والفكرية. وفي خضم هذا التشابك، يبرز السؤال: هل ثمة جدوى من النداء في عالمٍ لا يُصغي؟ وهل نحن، في سعينا الحثيث للتواصل وإيصال أصواتنا، محكومون بالصمت حتى وإن تكلمنا؟!
إن عبارة “لا حياة لمن تنادي” ليست مجرد مثلٍ دارج، بل هي انعكاس لشعور عميق بالعزلة والخذلان. كم من مرة حاولنا أن نصرخ في وجه الظلم، أو أن نبوح بما يثقل أرواحنا، فلم نجد سوى جدران صماء تعكس صدى أصواتنا إلى داخلنا من جديد؟ حينها يتحول النداء إلى مرثية، ويغدو الإنسان غريبًا حتى بين أقرب الناس إليه!
تتعدد أسباب هذا الانفصال الوجودي. أحيانًا ينشغل الناس بتفاصيل يومهم حتى يعجزوا عن الإصغاء إلى معاناة الآخرين، وأحيانًا يضعف الإيمان بالمؤسسات أو الأفراد المفترض أن يحملوا هموم المجتمع. وهنا تتجلى الأزمة الكبرى: أزمة ثقة، وأزمة معنى. لقد تناول الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو في كتاباته هذا العبث الإنساني، حيث تُعاش الحياة أحيانًا وكأنها بلا معنى، بلا استجابة، بلا صدى. وفي ضوء هذه الرؤية، يغدو قولنا: “لا حياة لمن تنادي” أقرب إلى حقيقة مؤلمة من كونه مجرد استعارة.
لكن، هل يقتضي هذا أن نستسلم للعبث؟!
الجواب: لا!
فالوعي بالخذلان هو أول خطوة لتجاوزه. والاعتراف بالصمت المحيط بنا لا يعني الخضوع له، بل هو دعوة لصناعة أصوات جديدة، وإشعال شموع في العتمة. إن مجرد التواصل في أضيق الدوائر، أو التعبير عن رأي ولو على استحياء، قد يكون بذرة لتغيير أبعد مما نتخيل. وهنا يكمن البعد الفلسفي لعبارتنا: فـ”لا حياة لمن تنادي” ليست خاتمة، بل بداية تساؤل. ليست إعلانًا عن العجز، بل حافزًا للبحث عن إمكان جديد للحياة. فلعل في صوتٍ واحد صادق ما يكفي ليوقظ الآخرين، ولعل في فعلٍ صغير ما يعيد إلى النداء حياته. إننا حين ندرك أن الاستجابة قد تتأخر، وأن الإصغاء قد يأتي من حيث لا نحتسب، نزداد إيمانًا بأن لكل نداء معنى!
وفي عالمٍ مثقل بالتحديات، تبقى الأفعال الصغيرة – كلمة صادقة، التفاتة إنسانية، يد تمتد – هي التي تمنح النداء حياةً، وتُعيد الأمل إلى من يظن أنه ينادي في الفراغ.
دائمًا أتذكر مقولة صديقي العزيز ووالدي الأستاذ والممثل السعودي القدير علي السبع: “لا يقذف بالحجارة إلا الشجر المثمر”، لذلك أعي أن الناجح قادر على تجاوز كل الصعوبات، حتى وإن كانت في أحيان كثيرة معقدة!!
فلنكن نحن البداية… ولنجعل من أصواتنا جسورًا، ومن نداءاتنا حياةً، لا صدى يتلاشى في العدم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى