.
القراءة “الكتابة”
عندما نجلس مع أنفسنا ونفكر بعمق، نتساءل: ماذا لو عادت بنا الحياة إلى الماضي، حيث لم يكن هناك أجهزة ذكية أو شبكات إنترنت أو أي وسيلة من وسائل التكنولوجيا الحديثة؟ ماذا لو انقطع بنا السبيل وعدنا إلى الورق والقلم كأداة وحيدة للتوثيق والتواصل؟
قد يبدو الأمر للبعض وكأنه عودة إلى الوراء، ولكن الحقيقة أن هذه العودة تكشف لنا قيمة الكتابة والقراءة في حياتنا. فالتاريخ الإنساني بكل تفاصيله لم يصل إلينا إلا عبر ما خطته أيدي الأسلاف من نقوش على الصخور، وكتابات على الجلود والبرديات، ثم على الورق. ولولا تلك الكتابات لما عرفنا شيئاً عن حضارات عظيمة تركت بصماتها في مسيرة البشرية.
لقد كانت الكتابة أول وسيلة للبشرية لفهم ذاتها وتوثيق إنجازاتها. منذ النقش الأول على الحجر وحتى المخطوطات القديمة، شكّلت الكتابة الجسر الذي عبرت من خلاله الحضارات لتخلّد ذكرياتها ومبادئها. وحتى مع التطور الرقمي اليوم، تبقى الكتابة والقراءة هما الأساس الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
فالقراءة ليست مجرد هواية، بل هي غذاء للعقل، ومفتاح للفهم، وأداة لصناعة جيل واعٍ يستطيع التمييز بين المعرفة السطحية والمعلومة الموثقة. والكتابة، بدورها، ليست مجرد كلمات على ورق، بل هي فعل مقاومة للنسيان، ووسيلة لحماية الذاكرة الإنسانية من الضياع نحن نرى
اليوم، جيل يعيش وسط عالم تغزوه الشاشات والتطبيقات الذكية. التكنولوجيا لها فوائد عظيمة، فهي توفر المعلومة بسرعة، وتفتح آفاقاً واسعة للتواصل والمعرفة. لكن ما قد يغيب عنا هو أن هذا الجيل بحاجة إلى موازنة حقيقية بين التقنية والكتابة.
فعندما نغرس في الأطفال حب القراءة والكتابة منذ الصغر، فإننا نمنحهم القدرة على التفكير النقدي، والقدرة على الإبداع، والقدرة على التعبير عن الذات. جيل يحب القراءة يستطيع أن يصنع تكنولوجيته الخاصة، ويعيد بناء أدواته إذا ما ضاعت. أما جيل لا يقرأ ولا يكتب، فسيكون مجرد متلقٍ، بلا جذور ولا هوية. ومن ناحية آخرى ومنطلق من زواية مختلفة أننا نعيش اليوم ونحن لا نتذكر شيء ما حصل سابقا و من المؤسف أن كثيراً من العائلات والشخصيات التي كان لها فضل عظيم في المجتمع لم تُذكر سيرتها في الكتب ولم تُوثق إنجازاتها كما يجب. هنا يأتي دور الكتابة والتوثيق والنشر.
لذلك، فإن تشجيع دور النشر على توثيق هذه السير وإبرازها إعلامياً أمر بالغ الأهمية. إنه ليس مجرد حفظ للذاكرة، بل بناء لمرجع حضاري يثري الأجيال القادمة، ويُشعرهم بالانتماء والفخر.
قد تتغير وسائل التوثيق، وقد تسيطر التكنولوجيا على تفاصيل حياتنا، لكن سيبقى للكتابة والقراءة مكانة لا يمكن أن ينهيها الزمن. إنهما الوسيلتان اللتان صمدتا منذ فجر التاريخ، وستظلان مع الإنسان ما بقيت لديه حاجة إلى الفهم والتعبير والخلود.
لذلك، علينا أن نغرس في الجيل الجديد حب القراءة والكتابة، وأن نُعيد الاعتبار لتوثيق تاريخ الأفراد والعائلات والمجتمعات، حتى لا تضيع الذاكرة الإنسانية وسط زحام التكنولوجيا. فمهما تقدمت الآلات، تبقى الكلمة المكتوبة هي الحارس الأول للمعرفة، والبصمة الأعمق في وجدان الإنسانية.