صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مقالات

.

 

زقاق الصاغة: حكاية من ذاكرة آل طلاقي أهل مكة

عبدالله طلاقي

في قلب مكة المكرمة، وبين أزقة تتنفس عبق الماضي، وُجد مكان يعرفه أهل مكة باسم زقاق الصاغة. كان هذا الزقاق ملتقى للصاغة وأصحاب الدكاكين، حيث تتجاور محلات الذهب جنبًا إلى جنب، لتكوّن لوحة من الأصالة والمهارة في صناعة الحلي.
وكان زقاق الصاغة الذي كان يعرف سابقا بزقاق الحجر
يضم العديد من محلات الذهب، وهو شارع ارتبط بالتاريخ الإسلامي، حيث وُجد فيه دار مولد السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله ﷺ، مما أضفى على المكان مكانة روحية عظيمة بجانب مكانته التجارية.
من بين هذه المحلات، يبرز دكان جدي عبد الله طلاقي، الذي كان يمارس مهنة صياغة الذهب، بينما كان أخوه يحيى طلاقي يزاول الصياغة أيضًا، لكنه كان يملك دكانه الخاص، وكذلك ابن عمه معتوق حسين طلاقي الذي كان له دكانه الخاص أيضًا.
ومن بين العائلات البارزة في الزقاق، يذكر آل بدر، شيخ الصاغة العم أحمد بدر رحمه الله الذي عُرف بحكمته وحنكته، وابن عمه فيصل بدر.
وكان عن يمين دكان جدي دكان عبد الله السقا، وعن يساره السيد علوي الجفري، يليه السيد حسن بخاري، وأمامهم دكاكين فيصل جوهرجي، الخفاجي، والعم حسين باشهاب.
كما وُجدت أسماء بارزة أخرى في الزقاق مثل آل ريس، آل مصلي، آل هندي، آل حمودة، آل نشّار، وآل مرغني، وكلهم عُرفوا بالأمانة والصدق في التعامل.
ولم يكن الزقاق مقصورًا على بيع الحُلي فحسب، بل كان فيه أيضًا الشيخ صالح حمزة صيرفي، الذي امتلك دكانًا مخصصًا لاستبدال العملات وبيع سبائك الذهب، وكان مستأجرًا لأحد دكاكين شارع الطلاقي آنذاك، مما زاد من مكانة الزقاق وأهميته التجارية.
الحياة في مكة قديما كانت بسيطة ومليئة بالسكينة. البيوت كانت قريبة من الحرم المكي الشريف، وبيت جدي كان أمام المسعى تمامًا حيث كان يؤدي والدي الدكتور محمدصالح طلاقي جميع صلواته في الحرم. لم تكن هناك مسافات طويلة تفصل بين البيت والمسجد الحرام، وكان هذا القرب يزرع في النفوس طمأنينة لا تُوصف.
أما أهل مكة، فقد عُرفوا بطيبتهم وتسامحهم، حيث كانت الكلمة الطيبة تسبق المعاملة، والجيرة بينهم تقوم على المودة والتكافل. التجارة عندهم لم تكن مجرد بيع وشراء، بل كانت رسالة أمانة. فالذهب الذي كان يُباع في زقاق الصاغة، لم يكن يلمع ببريق معدنه فحسب، بل ببريق الصدق الذي يرافقه.
لقد شكّل زقاق الصاغة جزءًا مهمًا من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مكة قديما، لكنه أيضًا يختزل معاني أعمق: الأمانة، البساطة، وروح الجماعة. هي قيم كانت تحكم حياة الناس في ذلك الزمن، وجعلت من مكة مدينة يلتقي فيها الدين والتجارة، العبادة والرزق، في لوحة واحدة متجانسة.
إن استذكار زقاق الصاغة اليوم ليس مجرد حنين إلى الماضي، بل هو تذكير بجذورنا، وبقيمة الصدق في المعاملة، وبركة الرزق التي تنبع من الأمانة والرضا. تلك الحكايات تظل شاهدة على زمن جميل، سطر فيه أهل مكة قصصًا من الوفاء، والبساطة، والعيش الكريم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى