.
اعتذار متأخر من القلب …
حين نسترجع تفاصيل ما مضى، ندرك أننا مدينون لأنفسنا باعتذار لم نكتبه بعد…
اعتذار عن الأحمال التي وضعناها على كاهلها، وعن الصراعات التي أجبرناها على خوضها بلا سند، وعن كل لحظة تجاهلنا فيها صرختها الصامتة كي نُرضي غيرها، وعن أحلام دفنّاها تحت «سوف» و«لاحقًا»، وعن طرق مشيناها خوفًا أو مجاملة بينما أرواحنا كانت تهتف للاتجاه الآخر.
لقد قسونا عليها بالصبر فيما كانت تستحق الرحمة، وغفلنا عن صوتها لنُرضي غيرها. وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «هلك امرؤ لم يعرف قدر نفسه». ويؤكد ابن القيم: «من فقد أنسه بالله بين الناس ووجده في الخلوة فهو صادق»، مشيرًا إلى أن الطريق الصحيح يبدأ دائمًا من الداخل، لا من إرضاء الآخرين.
لقد آن الأوان أن نعترف: نحن لم نكن أعداء الآخرين بقدر ما كنا أعداء أنفسنا حين لم نُنصت لها، وحين تخلّينا عن أبسط حقوقها في الاختيار. وليس غريبًا أن يقول مصطفى صادق الرافعي: «كن بوجهك مبتسمًا وبقلبك صادقًا، وبذاتك راضيًا». وقد لخّص جبران خليل جبران هذا المعنى بقوله: «أعظم ما في الحب أن تعطيه لمن يستحق، وأنت أول من تستحق حبك».
ومن منظور ديني، يذكّرنا الله سبحانه وتعالى بالعناية بأنفسنا قبل كل شيء:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)
فالاعتذار للنفس ليس ضعفًا ولا جلدًا للذات، بل بداية عهد جديد… صفحة نفتحها لنُدوّن فيها حبًا أكثر، ورحمة أكبر، ووفاءً صادقًا مع ذواتنا.
فالسلام الذي نبحث عنه في العالم الخارجي يبدأ من هنا… من داخلنا، والاعتذار لأنفسنا ليس جملة نكتبها فحسب، بل ممارسة يومية: كلمات نهمس بها، وأفعال نمنحها للروح، وقرارات نُعيد فيها للذات حقها في الاختيار والفرح ..