صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مقالات

رفاق القلب .. مرآة الروح

في عالمٍ يتبدّل فيه كل شيء بسرعة، تبقى الصداقة الحقيقية من أثمن ما يمكن أن يحتفظ به الإنسان. فهي ليست بطول العِشرة، بل بصدقها وعمقها. وسط الزحام والضجيج، يظل الصديق الصادق مساحة نقاءٍ نلجأ إليها كلما أثقلتنا الحياة.

قال الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:
“الصديق الحقيقي هو الذي يظن بك الظن الحسن، وإذا أخطأت بحقه يلتمس لك العذر.”

تلك هي الصداقة التي ترتقي بالروح، وتمنحنا دفئًا لا يُشترى، وسلامًا لا يُوصَف.
فالصديق الحقيقي لا يظهر في لحظات الفرح فقط، بل في العُتمة، حين يُنير لك الطريق بكلمة، أو موقفٍ، أو حتى بصمته الحانية. فالمواقف هي المعيار الأصدق لقوة الصداقة، فهي تكشف معادن النفوس وتُظهر من كان معك حقًا.

الصداقة ليست بالحديث المستمر، بل بالقلوب التي تفهمك في الصمت، وتراك بعين الحب لا بعين العتاب. هي تواصل الأرواح لا المصلحة، وعطاء متبادل لا يُنتظر منه مقابل. لذلك، حين تجد صديقًا يحتفظ بنقائك رغم تقلبات الحياة، فأنت تملك كنزًا لا يُقدّر بثمن.

يقول المدرب ياسر الحزيمي:
“الصديق الحقيقي إذا اقترب منك منح، وإذا ابتعد عنك مدح، وإذا ظلمته صفح، وإذا ضيّقت عليه سمح.
هو من يفهمك بلا كلام، ويصدقك بلا أدلة، وينصحك دون جرح، ويحبك دون شرط.”

حقًا، الإنسان بلا صديق كوردٍ بلا رحيق. فالصديق الصادق مصباحك حين تظلم دنياك، وسرك حين تفيض شكواك، وركنك حين تنهار قواك.
رُبَّ أخٍ لم تَلِده أمّك، لكنه يُولد من مواقف الحياة، يمنحك شعور الأخوّة دون صلة دم.
هو من تكون صحبته شرفًا، ورفقته أمانًا، ووجوده دعمًا دون طلب، ووفاءً دون عهد.
هو من يحفظ سرك كصندوقٍ مغلق، ويقومك برفق حين تخطئ، ويقف معك عند الشدائد لا عند الرخاء فقط.

ولأن العلاقات تُختبر بالمواقف، فقد قيل:
“لا تأمن لرفقة أحد حتى تراه في ثلاث: شدةٍ تصيبك، أو نعمةٍ تصيبه، أو فجوةٍ تقع بينكما.”

وقال جبران خليل جبران:
“الصداقة نعمة من الله، تجمع بين القلوب في صفاءٍ وصدقٍ ومحبة.”
فالصداقة الحقيقية ليست تطابقًا في كل شيء، بل قبول للاختلاف واحتضان للتنوع.
أن تبقى المودة رغم اختلاف القناعات، وأن تظل المبادئ ثابتة رغم تبدّل الآراء.
هي علاقة تقوم على المصداقية والوضوح، ومساحة من الحرية والاحترام المتبادل.

وكما قال سقراط:
“من أراد أن يكون صديقًا، فليتهيأ لأن يُحبّ بصدق.” الصداقة الحقيقية ليست حكاية تُروى، بل حياة تُعاش، ومواقف تُثبت، وأثر يبقى حتى بعد الغياب.
فاحمد الله إن وُجد في حياتك من يشبه الأمان… فإنه هدية لا تُكرَّر ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى