ترامب يلوّح بـ«تحرك أميركي» إذا واصلت حماس القتل… وملف غزة يدخل مرحلة إعادة التموضع السياسي
في مشهد تتقاطع فيه التصريحات النارية بالتحركات الميدانية والدبلوماسية، صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لهجته تجاه حركة حماس، محذرًا من أن «تحركًا بدعم من الولايات المتحدة قد يكون ضروريًا» إذا لم تلتزم الحركة باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، في الوقت الذي تواصل فيه الحركة تنفيذ حملة أمنية داخل القطاع بعد الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية.
وقال ترامب في منشور على منصته «تروث سوشال» إن استمرار حماس في «قتل الناس في غزة» سيجعل واشنطن «بلا خيار سوى الذهاب وقتلهم»، من دون أن يوضح المقصود بـ«الذهاب» أو الجهة التي ستنفذ ذلك، في تصريحٍ يعكس التباسًا مقصودًا بين التهديد السياسي والإشارة العسكرية.
ويبدو أن حديث ترامب يأتي في سياق ما وصفه مراقبون بـ«التصعيد اللفظي المحسوب»، الهادف إلى دفع الحركة نحو التزام دقيق ببنود الهدنة التي ترعاها واشنطن والقاهرة، دون انخراط أميركي مباشر على الأرض.
ورغم أن ترامب كان قد استبعد سابقًا أي تدخل ميداني للجيش الأميركي في غزة، فإن نبرته الجديدة جاءت أكثر صرامة بعد أنباء عن إعدامات نفذتها حماس بحق مدنيين اتهمتهم بـ«العمالة»، في ما تقول مصادر فلسطينية إنها حملة لإحكام القبضة الأمنية على مدن القطاع المنهكة.
وقال الرئيس الأميركي في تعليقات من البيت الأبيض الثلاثاء: «لم يزعجني ذلك كثيرًا، هؤلاء مجموعة من العصابات السيئة للغاية»، في تبريرٍ فُسِّر على أنه تفهم ضمني لإجراءات الحركة، قبل أن يعود لاحقًا ليحمّلها مسؤولية أي انتهاك للهدنة، وكأنه يرسل رسائل مزدوجة: ضغط سياسي من جهة، وتطمين ضمني لإسرائيل من جهة أخرى.
وفيما تستمر القاهرة في لعب دور الوسيط المركزي، كشفت مصادر دبلوماسية أن العاصمة المصرية تستضيف لقاءً فلسطينياً موسعاً لبحث تشكيل لجنة لإدارة غزة بعد الحرب، بمشاركة وفود من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
ويترأس وفد حماس القيادي خليل الحية، بينما يقود وفد الجهاد أمينها العام زياد النخالة، في مشاورات وُصفت بأنها «الأكثر جدية» منذ بدء الهدنة، وتهدف إلى رسم ملامح الإدارة المدنية والأمنية للقطاع خلال المرحلة الانتقالية.
ميدانيًا، أكد الجيش الإسرائيلي استمرار التنسيق مع الجانب المصري لإعادة فتح معبر رفح أمام حركة الأفراد، لكنه لم يعلن موعدًا محددًا لذلك، في إشارة إلى أن القرار بات جزءًا من حسابات السياسة أكثر منه ملفًا إنسانيًا.
وبينما تسعى واشنطن إلى تثبيت وقف إطلاق النار ضمن ما تسميه «خطة ترامب للسلام بعد الحرب»، يبرز أن الخطاب الأميركي الجديد تجاه غزة لم يعد أسير المقاربة التقليدية «حماس = عدو»، بل بات يستخدمها كورقة توازن دقيقة بين الرغبة في الاستقرار والضغط على إسرائيل لإعادة ترتيب المشهد الأمني والسياسي في القطاع.
ويرى مراقبون أن لهجة ترامب الأخيرة، وإن بدت تصعيدية، تحمل في طياتها «مسرحًا سياسيًا» أكثر من كونها تهديدًا عسكريًا، إذ تُستخدم كأداة ضغط لتثبيت معادلة جديدة في غزة: لا فراغ أمني، ولا سلطة واحدة مطلقة، ولا فوضى ميدانية تسمح بعودة الحرب.
إنها مرحلة إعادة التموضع، حيث تختلط التهدئة بالتحذير، وتغدو التصريحات الأميركية أقرب إلى إشارات ضوء في حقل ألغام سياسي لا يزال قيد إعادة رسم خرائطه.