قراءة وتحليل رواية “آلة الزمن” لـ هيربرت جورج ويلز
1. ملخص عام للرواية
تبدأ الرواية في إطار اجتماعي إنجليزي معاصر، حيث يقدم “المسافر عبر الزمن” لضيوفه في حفل عشاء، فكرته عن البعد الرابع (الزمن) وإمكانية السفر عبره. يعرض نموذجًا مصغرًا لآلته ويجعله يختفي، مما يثير حيرة ضيوفه. بعد أسبوع، يعود المسافر منهكًا ومغطى بالأتربة والجروح، ويروي قصته المذهلة عن رحلته إلى المستقبل البعيد، تحديدًا إلى عام 802,701 ميلادية. هناك، يكتشف عالمًا تحولت فيه البشرية إلى نوعين مختلفين: “الإيلوي”، كائنات وديعة وجميلة تعيش على سطح الأرض في رفاهية وسكون، و”المورلوك”، مخلوقات قبيحة شبيهة بالقرود، تعيش تحت الأرض وتعمل في مصانع غامضة. يدرك المسافر لاحقًا أن المورلوك يتغذون على الإيلوي. يفقد آلة الزمن الخاصة به، التي تُسحب إلى داخل تمثال لأبي الهول الأبيض، ويدخل عالم المورلوك السفلي ليواجه أهواله، مستخدمًا النار كسلاح. يفشل في إنقاذ صديقته الإيلوية، ويينا، التي تموت في حريق بالغابة. بعد استعادته لآلته بصعوبة، يقرر السفر إلى مستقبل أبعد، ويشهد انقراض الحياة على الأرض تحت شمس محتضرة. يعود إلى زمنه ليحكي لضيوفه، الذين يجدون صعوبة في تصديق قصته، ويختفي بعد ذلك في رحلة أخرى، تاركًا مصيره مجهولًا.
2. العناصر السردية
الحبكة
تتبع الحبكة مسارًا خطيًا ضمن الإطار السردي، لكنها تتضمن رحلة غير خطية عبر الزمن كقصة داخلية. تبدأ الرواية بـ”المسافر عبر الزمن” يقدم أطروحته عن الزمن كبعد رابع، ثم يعرض نموذجًا لآلته ويختبره، مما يمثل بداية تصاعد الأحداث. ينتقل السرد إلى عودة “المسافر” منهكًا، ويبدأ في رواية مغامرته. يمثل وصوله إلى عام 802,701 واكتشاف الإيلوي والمورلوك نقطة التصعيد الرئيسية، مع صراع أساسي بين بقاء المسافر وفهمه للعالم الجديد، وبين تهديد المورلوك. تصل الذروة مع محاولته استعادة آلته ومواجهاته العنيفة مع المورلوك، وفقده ويينا، ثم هروبه إلى مستقبل أبعد. يتنازل الصراع مع عودته إلى زمنه وإبلاغه لضيوفه، وتنتهي الرواية باحداث غير متوقعة، مما يترك نهاية مفتوحة لمصيره ويزيد من غموض الرحلة الزمنية.
الشخصيات
“المسافر عبر الزمن” هو الشخصية المحورية، وهو عالم ومخترع يتميز بذكاء حاد وفضول لا يحدّه. دافعه الأساسي هو استكشاف المستقبل واختبار نظرياته العلمية. يتطور من شخصية واثقة ومتفائلة بالتطور البشري إلى شخصية يائسة ومتشائمة بسبب ما يكتشفه. “الفيلسوف” و”عالم النفس” و”الطبيب” و”عمدة المقاطعة” والراوي (غير المسمى) هم شخصيات ثانوية يمثلون جمهور “المسافر” المتشكك، لكنهم ضروريون لإبراز تحدي “المسافر” للنظرة التقليدية للزمن. “ويينا” هي الشخصية الأنثوية الرئيسية، من الإيلوي، وتلعب دور الرفيق الضعيف، حيث ترمز إلى البراءة والنقاء. علاقتها بالمغامر تسلط الضوء على تدهور الجنس البشري عاطفيًا. “الإيلوي” يمثلون ذروة التطور الاجتماعي نحو الرفاهية الكاملة، لكنهم فقدوا قوتهم وذكائهم ومقاومتهم. “المورلوك” يمثلون الطبقة العاملة المتدهورة التي أصبحت مفترسة، حيث يتجسد فيهم الخوف والقسوة، وهم دافع رئيسي للصراع في الرواية.
الإعداد (المكان والزمان)
تنقسم الرواية بين زمانين ومكانين رئيسيين: إنجلترا الفيكتورية (المستقبلية) في منزل “المسافر عبر الزمن” في “ريتشموند” الغنية (المقدمة)، وعوالم المستقبل البعيد. يمثل منزل “المسافر” ملاذًا للترف الفكري والاجتماعي، حيث تتوفر “كؤوس الشامبانيا الفضية زنبقية الشكل، والخدم المتوارين عن الأنظار، وأضواء الشموع التي لا حصر لها”. هذا الإعداد الأولي يتناقض بشكل حاد مع العوالم القاحلة والمخيفة التي يزورها “المسافر”. الزمان يلعب دورًا مركزيًا، حيث تظهر الرحلة عبر “الزمن” نفسه كشخصية، متجسدة في تقلبات سرعة السفر. المستقبل البعيد، عام 802,701، يقدم تضاريس خضراء مورقة مليئة بأطلال المباني الضخمة التي كانت يومًا قصورًا. يتحول الإعداد لاحقًا إلى عالم مظلم تحت الأرض يسكنه المورلوك، ثم يتطور إلى شواطئ قاحلة وشمس محتضرة بعد ملايين السنين. تؤثر هذه الإعدادات بشكل مباشر على الشخصيات، حيث يبرز جمال الإيلوي وهشاشتهم في عالمهم الوادع، وتتجسد قسوة المورلوك وبشاعتهم في بيئتهم المظلمة. يحمل المكان والزمان دلالات رمزية عميقة تتعلق بتدهور الحضارة البشرية وتوقعات مستقبلها.
3. العناصر الفنية
الثيمات الرئيسية
تستكشف الرواية ثيمات متعددة بعمق.
أولاً، ثيمة “التدهور البشري” والتطور العكسي، حيث تتراجع البشرية جسديًا وفكريًا بعد أن تغلبت على التحديات الطبيعية. “المسافر” يلاحظ “اضمحلال إلى جنس عبثي لا جدوى منه، على الرغم من وساهمته” (الفصل السابع) لدى الإيلوي، كما يعاين “تدهورًا بطيئًا ونقصًا عامًا في الحجم والقوة والذكاء” (الفصل الخامس).
ثانياً، ثيمة “الصراع الطبقي” وتداعياته، حيث يتجسد الانقسام الاجتماعي في فصل واضح بين الإيلوي السطحيين والمورلوك الكادحين تحت الأرض، الذين يتحولون إلى مفترسين.
ثالثاً، “الخوف” من المجهول ومن الظلام ومن القوى الغامضة التي تتحكم في الحياة، وهو ما يسيطر على الإيلوي وعلى المسافر نفسه في بعض الأحيان. رابعاً، “العزلة والوحدة” التي يشعر بها “المسافر” كغريب في هذا المستقبل البعيد. خامسًا، “العلم والتكنولوجيا” ودورهما في تشكيل المستقبل، حيث تُظهر الرواية أن التقدم العلمي يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير متوقعة.
الرموز والصور
تزخر الرواية بالرموز والصور الغنية. “آلة الزمن” نفسها رمز مركزي للفضول البشري وقدرته على تجاوز القيود، وفي نفس الوقت، رمز للتهور والتأثيرات غير المتوقعة للتكنولوجيا. “تمثال أبي الهول الأبيض” يرمز إلى الألغاز الكبرى للحضارة القديمة، ويخفي في داخله الآلة، مما يوحي بأن الإجابات تكمن في أعماق التاريخ. “الزهور الذابلة” التي يجلبها المسافر من المستقبل، وخصوصًا تلك التي أعطتها إياه ويينا، ترمز إلى “أن الامتنان والعطف المتبادل سيظلان يسكنان قلب الإنسان، حتى عندما يذهب عنه ذكاؤه وقوته” (الخاتمة)، مما يقدم بصيص أمل في عالم مظلم. “الظلام” يرمز إلى الجهل والخطر، وهو مصدر خوف لكل من الإيلوي والمغامر نفسه عند نزوله إلى عالم المورلوك. “الشمس الحمراء المحتضرة” في أقصى المستقبل ترمز إلى النهاية الحتمية للحياة والكون، وتُظهر فكرة العدمية.
الأسلوب السردي
يستخدم المؤلف أسلوبًا سرديًا يجمع بين السرد من منظور الراوي الأول (الراوي المجهول الذي يحكي قصة المسافر) والسرد من منظور “المسافر عبر الزمن” نفسه. هذا يمنح القصة مصداقية أولية وتأكيدًا على الحقائق، ثم ينغمس القارئ في تجربة “المسافر” الشخصية. اللغة المستخدمة رسمية وأكاديمية في البداية، خاصة عند شرح “المسافر” لنظريته عن الزمن، ثم تصبح أكثر حيوية ووصفية عند سرد الأحداث في المستقبل. الإيقاع يتغير من بطيء وتأملي في الأجزاء الفلسفية إلى سريع ومثير في مشاهد المواجهة والهروب. يوظف المؤلف تقنية “الإظهار” بشكل فعال عند وصف العالم المستقبلي، مما يسمح للقارئ باكتشاف الحقائق مع “المسافر”، لكنه يلجأ أحيانًا إلى “الإخبار” المباشر في تفسير النظريات الاجتماعية والفلسفية، كما في الفصل الرابع والعاشر.
4. العناصر السياقية
السياق التاريخي/الاجتماعي
تعكس الرواية قضايا العصر الفيكتوري والإدواردي، التي أشارت إليها المقدمة بقلم جوينيذ جونز بأنها “مفضلة في العصرين الفيكتوري والإدوارد” (المقدمة). تبرز الرواية مخاوف المجتمع من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة الانقسام الطبقي الحاد، حيث يمثل “المورلوك” طبقة العمال الفقراء و”الإيلوي” الطبقة الأرستقراطية. تعكس أيضًا تأثر المؤلف بـ”أفكار داروين” (المقدمة) ونظرية التطور، والتي يتم “اختطافها وتوظيفها في النقد الاجتماعي” (المقدمة)، حيث يقدم سيناريو لتطور البشرية نحو التدهور بدلًا من التقدم المستمر. “المسافر” نفسه يصف هذا الانقسام بأنه “الاتساع التدريجي للفجوة المؤقتة والاجتماعية الحالية بين المجتمع الرأسمالي والطبقة العاملة” (الفصل الخامس).
السياق النفسي
تتأثر الشخصيات بشكل كبير بالسياقات النفسية. “المسافر عبر الزمن” يعيش تجربة نفسية عميقة تتراوح بين الفضول العلمي الحاد، والإثارة والمغامرة، إلى الرعب واليأس من مصير البشرية، ثم الحزن على فقدان ويينا. هذا التباين في العواطف يعكس تحدي الوجود البشري وتفاهة الإنجازات المادية في وجه الانحدار الحتمي. شخصية “ويينا” الصغيرة تعكس براءة الطفولة والخوف الغريزي من الظلام، مما يوحي بأن هذه العواطف لا تزال متأصلة حتى في أضعف الكائنات. “المورلوك” يعكسون الخوف من المجهول والوحشية الكامنة في الطبيعة البشرية عند مواجهة الظروف القاسية، بينما يعكس الإيلوي هشاشة النفس البشرية عند فقدان الحافز للتحدي والتطور.
التأثيرات الأدبية
تعتبر الرواية عملاً تأسيسيًا في أدب الخيال العلمي، وقد أثرت في العديد من الأعمال اللاحقة. المقدمة تشير إلى أن “آلة الزمن شأنها شأن روايتي “حرب العوالم” و”جزيرة الدكتور مورو” أيقونة في القرن العشرين، واستُخدمت قصتها مرارًا في إنتاج الأعمال السينمائية والتلفزيونية والإذاعية، وأيضًا استُغلت في العديد من السرقات الفكرية والأعمال المحاكية والنسخ المنقحة” (المقدمة). تشير المقدمة أيضًا إلى تأثيرها على أعمال مثل “سفن الزمن” لستيفن باكستر و”آلة الفضاء” لكريستوفر بريست. تتأثر الرواية كذلك بالأدب الطوباوي والديستوبي في تقديمها لعوالم مستقبلية، وإن كانت ديستوبية في جوهرها.