صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مقالات

.

حين تكون الكلمات بلسماً

للكلمات أرواح تسكنها، وأجنحة تحملها إلى القلوب قبل أن تستقر في الآذان. كلمة قد تكون ضوءًا يبدد عتمة، أو نغمة تواسي قلبًا مثقلاً، أو جسرًا يعيد إنسانًا إلى الحياة. فليس غريبًا أن نؤمن بقوّة الكلمة ووقعها، إذ كم من كلمة أنارت دربًا وأسعدت قلبًا، وكم من كلمة حطمت نفسًا وأطفأت أملاً. الكلمة ليست حروفًا عابرة، بل هي بذور تزرع في النفوس، بعضها ينمو شجرًا مثمرًا، وبعضها لا يخلّف سوى شوكٍ وجراح.

قال النبي ﷺ: «والكلمة الطيبة صدقة». فهي عطية لا تُكلف مالًا، لكنها قد تُغير حياة. ولذا شبّهها الله تعالى في كتابه الكريم بقوله:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)
تشبيه يختصر المعنى بأكمله؛ فالكلمة الصادقة الطيبة تضرب بجذورها في أعماق النفس وتعلو بثمارها في السماء، لا يحدّ أثرها زمان ولا مكان.

وقد أدرك الحكماء والأدباء أثر الكلمة في حياة الإنسان، فقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمتَ به صرتَ في وثاقه”، في إشارة إلى أن الكلمة قد تحررنا أو تقيدنا، تبني أو تهدم. وقال جبران خليل جبران: “الكلمة الطيبة نور، وبعض الكلمات قبور”، مؤكداً أن الحرف ليس بريئًا دومًا، فهو إمّا دواء وإمّا داء.

ويزيد الشاعر إيليا أبو ماضي هذا المعنى جمالًا حين قال:
إنما الناسُ حروفٌ، كلما
أحسنوا القولَ، تجلّت صورُهمْ
فالإنسان يُرى من خلال كلماته، فهي مرآته وصوته الباقي في ذاكرة الآخرين.

إن الإنسان يتعافى بالكلمة الطيبة وبالمحبة الصادقة، فسلامٌ على القادرين على منحهما بصدق، فهم صناع الحياة ومجددي الأمل. وليكن لساننا بلسماً لا سهماً، فالحروف التي تخرج من القلب تبقى أثرًا في القلوب، وما يُقال بصدق يثمر كما تثمر الشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.

وحدها الكلمة تبقى بعد رحيلنا، تُسافر في ذاكرة الآخرين، إمّا شاهدة لنا أو علينا، فاختر أن يكون ميراثك بلسمًا لا جرحًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى