صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مقالات

فنّ الارتقاء بين التغاضي والتغافل

في مسرح الحياة، لا تخلو العلاقات من الهفوات، ولا تخلو الأيام من المواقف التي تختبر اتزاننا الداخلي…
فالنضج الحقيقي لا يُقاس بعدد المرات التي انتصرنا فيها بالكلام، بل بعدد المرات التي اخترنا الصمت رغم قدرتنا على الرد.
فهناك لحظات يصبح فيها التغاضي والتغافل من علامات القوة لا الضعف، ومن دلائل السمو لا الانكسار…

التغاضي هو أن ترى الخطأ بوضوح وتشعر بالخذلان، لكنك تختار أن تعبر فوقه بثبات وهدوء، أن تمضي دون أن تلوّث روحك بردود لا تشبهك.
هو أحد أشكال السيطرة على الذات، حين تختار أن تحفظ هيبتك لا أن تثبت وجهة نظرك.

أما التغافل، فهو مهارة تُمارس بلطف وذكاء، أن ترى وتدّعي أنك لم ترَ، أن تسمع وكأنك لم تسمع، لأنك تعلم أن بعض المواقف لا تستحق إشعال فتيلها.
قال الإمام الشافعي: “العاقل من تغافل، وليس من غفل.”
وقال الحسن البصري: “ما استقصى كريمٌ قطّ، ومن تتبّع عثرات الناس فقد هدم مودّتهم.”
وفي الأدب العربي قيل: “ليس الغبي بسيدٍ في قومه، لكن سيد قومه المتغابي.”

وهنا تتجلّى أهمية التغاضي والتغافل، لا لإخفاء الحقائق، بل للحفاظ على السلام الداخلي والودّ حين تتباين النفوس.

القوة ليست في الرد، بل في ضبط النفس، والعظمة ليست في كشف الأخطاء، بل في تجاوزها حين لا تُصلح المواجهة شيئًا.
التغاضي يُعبّر عن سمو داخلي يعلو فوق الجراح، والتغافل يُجسّد حكمة راقية تحفظ العلاقات وتجنّب الانكسارات.

الترفع عن صغائر الأمور فن، لأن بعض المعارك لا تستحق خوضها، وبعض الردود لا تليق بمستوانا الداخلي ..العقلاء يدركون أن الانسحاب من السجال أحيانًا هو قمة الحضور، وأن التغافل عن التوافه ليس ضعفًا، بل أناقة في الفكر وسموًّا في الخلق…

كما قال علي بن أبي طالب: “نصف العافية في التغافل.” فالتغافل ليس مجرد تجاهل، بل سبيل للسلام الداخلي وراحة للنفس، ووسيلة لتجنب الانكسارات والحفاظ على الاتزان وسط صخب الحياة.

ويقول الشاعر سعيد بن مانع:
أحيانًا نتغاضى عشان المودّة،
نبقى على طول الزمن نحترمها.
حتى لو إن الخطأ زاد حدّه،
يكفي نعرف حدودنا ونحشمها.

ولتكن سعيدًا… تغافل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى