ذكاء البقاء الراقي ..

هل تساءلت يومًا لماذا تفشل بعض العلاقات رغم صدق المشاعر، بينما تنجح أخرى ببساطة وسلاسة؟
السرّ لا يكمن في مقدار الحب، بل في الذكاء العاطفي… تلك المهارة التي تمنحنا القدرة على فهم ذواتنا والآخرين، والتعامل مع المواقف بوعيٍ واتزانٍ ورقيّ..
الذكاء العاطفي ليس مجرّد ضبطٍ للمشاعر، بل هو فنّ الحضور المتزن وسط اضطرابات النفس وتقلبات المواقف.
أن تشعر دون أن تندفع، وتعبّر دون أن تجرح، وتغضب دون أن تهدم.
هو أن تختار اللين بدل القسوة، والصمت بدل الجدال، والرحمة بدل الانتقام.
فالعلاقات لا تزدهر بالعاطفة وحدها، بل بحكمة التعامل وذكاء الاستجابة.
وحين تمتلك هذا الوعي، ستكتشف أنك أكثر قدرة على بناء روابط متوازنة تنبض بالاحترام والطمأنينة.
ستتعلم الإصغاء بعمق، وتفهم قبل أن تحكم، وتسامح دون أن تُهين نفسك.
العلاقة الناضجة ليست تلك التي تخلو من الخلاف، بل التي يُدار فيها الخلاف برقيّ وهدوء.
وقد لخّص النبي ﷺ هذا المعنى العميق حين قال لأشجّ عبد القيس:
“إنَّ فيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ”
فالحِلم هو ذروة الذكاء العاطفي عند الغضب،والأناة هي وعي التروّي قبل القرار.ومن جمع بينهما، فقد امتلك سرّ التوازن في التعامل مع الناس والحياة.
كما قال أرسطو:
“الحياة الطيبة تعتمد على التوازن في النفس والعقل.”
وفي المعنى ذاته، يعبّر الشاعر زكي العلي بصدقٍ جميل:
إن استحسنتني فجوزيتَ خيرًا
وإن ساءتْ ظنونُك فلا أُبالي
أنا طينٌ جُبلتُ على الخطايا
ولستُ البدرَ لترجو اكتمالي
تُذكّرنا هذه الأبيات بأن الوعي العاطفي لا يعني المثالية، بل القبول الإنساني بالنقص.فمن يُدرك ذاته بصدق، لا يبحث عن الكمال، بل عن السلام. ومن يتصالح مع عيوبه، يصبح أكثر رحمة في التعامل مع عيوب الآخرين…
إن العلاقات لا تبقى لأننا نُحبّ،
بل لأننا نُحسن أن نُحبّ .. ومن يُتقن الذكاء العاطفي، يزرع الودّ دون تكلّف،
ويحفظ الكرامة دون قسوة، ويُصبح حضوره راحةً وسلامًا في حياة من حوله ..





