زيارة ولي العهد لواشنطن… تثبيت موقع السعودية لاعباً مرجِّحاً في معادلات الاستقرار العالمي

في لحظة إقليمية ودولية تتسم بالتحوّلات المتسارعة، تأتي زيارة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض لتشكّل محطة استثنائية تعيد تعزيز زخم الشراكة السعودية – الأميركية الممتدة لأكثر من تسعة عقود، وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون في ملفات السياسة والأمن والطاقة والاقتصاد والتقنية.
وتشير قراءات خبراء سياسيين تحدّثوا لـ«العربية.نت» إلى أن الزيارة تُمثّل فرصة لتوسيع دائرة التنسيق بين الرياض وواشنطن في مرحلة تتطلب صياغة معادلات أكثر توازناً تجاه تحديات الإقليم. ويرى الفريق المتقاعد مارك فوكس، نائب قائد القيادة المركزية الأميركية سابقاً، أن الزيارة تأتي في سياق تكثيف الجهود لصناعة السلام في الشرق الأوسط، بما يتيح فرص تهدئة ملموسة في قطاع غزة، ويعزز ركائز الاستقرار الإقليمي، مؤكداً أن بلاده تنظر إلى السعودية بوصفها شريكاً محورياً في أمن المنطقة.
وفي الاتجاه ذاته، توقّع توم واريك، نائب مساعد وزير الأمن الوطني الأميركي سابقاً، أن تتناول القمة المشتركة خطوات عملية لبلوغ اتفاق شامل يوقف الحرب في غزة، مرجحاً بحث تعاون سعودي – أميركي لإقامة قوة دولية داخل القطاع، إلى جانب مناقشة دعم البنية التحتية في سوريا، وتعزيز أمن دمشق، وبلورة آلية دعم للحكومة اللبنانية برئاسة جوزيف عون، بما يشمل معالجة ملف سلاح «حزب الله».
من جانبه، يؤكد المستشار الفكري السعودي الدكتور يوسف الديني أن الزيارة تُظهر بوضوح أن الولايات المتحدة باتت أكثر احتياجاً لدور السعودية، ليس فقط لضبط أسواق الطاقة، بل لضمان استقرار الشرق الأوسط وحماية سلاسل الإمداد العالمية، إضافة إلى إدارة التوازنات الدولية في ظل التنافس الأميركي – الصيني. ويرى الديني أن الزيارة تحمل طابعاً استثنائياً بحكم لحظتها، كونها تأتي في زمن تغيّرت فيه قواعد اللعبة الإقليمية بالكامل، بينما تواصل الرياض تعزيز استقلالية قرارها السياسي وتنويع شراكاتها وبناء قدراتها السيادية ضمن إطار رؤية المملكة 2030.
وتحط طائرة ولي العهد في الولايات المتحدة بعد سبعة أعوام من آخر زيارة رسمية، وسط استعداد أميركي واضح، وتجسّده تصريحات الرئيس ترامب الذي قال قبيل الزيارة إن اللقاء «أكثر من مجرد اجتماع… نحن نُكرّم السعودية وولي العهد».
السعودية في مركز الطاولة
ويشير الديني إلى أن الزيارة لا تمثل تجديداً للتعاون بقدر ما تُجسّد رسوخ مرحلة سعودية جديدة باتت فيها الرياض لاعباً لا يمكن الاستغناء عنه في الأمن والاقتصاد العالميين، مؤكداً أن السعودية «عادت إلى مركز الطاولة» بفعل حضورها السياسي وقدرتها على تحريك التوازنات في الملفات الكبرى.
الرياض.. اللاعب المُرجِّح
وعن النتائج السياسية المتوقعة، يوضح الديني أن المنطقة تمر بمرحلة إعادة تشكّل، ومع تراجع فاعلية القوى التقليدية وصعود التهديدات العابرة للحدود، تبرز السعودية كالدولة الأكثر قدرة على ضبط الإيقاع الإقليمي، بما يتوافق مع نظريات توازن القوى؛ إذ تستعيد الرياض اليوم دور «اللاعب المرجّح» الذي يمنع الانزلاق نحو الفوضى ويقود مبادرات الوساطة والاستقرار. ويأتي ذلك مدعوماً بتحوّل الاقتصاد السعودي إلى أحد المحركات الحيوية للنظام الاقتصادي العالمي ضمن مستهدفات رؤية 2030.
إدراك أميركي متزايد
ويضيف الديني أن هناك إدراكاً أميركياً متزايداً بأن أمن الممرات البحرية واستقرار أسواق الطاقة وسلامة المنطقة لا يمكن تحقيقها دون شراكة وثيقة مع الرياض، خاصة في ظل توجه المملكة إلى بناء صناعات دفاعية وتقنية سيادية، وطرح نفسها مركزاً إقليمياً للذكاء الاصطناعي وسلاسل الإمداد.
الرياض صانعة التحولات
ويختم الديني رؤيته قائلاً: «لفهم مستقبل المنطقة… عليك أن تبدأ من الرياض»، فهي – وفق تحليله – باتت قوة محورية في عالم يتجه نحو التعددية القطبية، مستندة إلى مزيج من النفوذ الاقتصادي، والاستقرار السياسي، والرؤية التنموية، الأمر الذي جعلها لاعباً أساسياً في ملفات السودان واليمن والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، وركيزة لا يمكن تجاوزها في صناعة التحولات الإقليمية.





