السعودية تؤكد التزامها الكامل بحظر الأسلحة الكيميائية وتعزّز حضورها الدولي في دعم منظومة الأمن العالمي

لم تكن كلمات نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، مجرد موقف دبلوماسي عابر، بل جاءت أشبه بورقة سياسات مُعلنة تُعيد تأكيد مسار اختطـته المملكة منذ عقود في دعم الجهود الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية. وفي اللحظة التي افتتح فيها فعالية “عالم خالٍ من الأسلحة الكيميائية” بمقر وزارة الخارجية في الرياض، بدا أن الرسالة السعودية تستهدف ما هو أبعد من الاحتفاء بحدث، نحو ترسيخ دور قيادي في هندسة منظومة دولية أكثر التزاماً وشفافية.
منذ الأيام الأولى لإبرام اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، كانت الرياض في مقدمتها. لم تكتفِ بالتوقيع والمصادقة المبكرة، بل سارعت إلى إنشاء هيئة وطنية متخصصة تضطلع بدور مركز الاتصال الرسمي مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والدول الأعضاء. هذه الخطوة، التي جاءت في وقت كانت فيه كثير من الدول لا تزال ترتّب أوراقها الداخلية، عكست وضوح الرؤية السعودية وثبات منهجها في التعامل مع قضايا الأمن العالمي.
اليوم، وبعد مرور أكثر من ربع قرن على تأسيس المنظمة، ما زالت المملكة تحتفظ بمقعدها في المجلس التنفيذي—انتخاباً متواصلاً منذ 1997—في دلالة لافتة على ثقة المجتمع الدولي بفاعلية الدور السعودي وقدرته على المساهمة في بناء توافقات عالمية حساسة.
أحد الجوانب التي تُظهر عمق الالتزام السعودي هو ما كشفه الخريجي حول التقارير الوطنية السنوية التي تُقدّمها الهيئة عن المواد الكيميائية داخل المملكة. ليست مجرد بيانات تقنية، بل وثيقة ثقة تُؤكّد استعداد الرياض للانخراط في آليات التفتيش والتدقيق الدولية، دعماً لمهمة المنظمة وضماناً لشفافية كاملة تتسق مع مبادئ المملكة في احترام العهود والمعاهدات الدولية.

ومع أن كثيراً من الدول تتعامل مع هذا الملف بعقلية إدارة الحدّ الأدنى من الالتزامات، كانت السعودية تذهب دوماً أبعد. دعمها لإنشاء مركز الكيمياء والتقنية الجديد التابع للمنظمة، بمساهمة قدرها 50 ألف يورو، ليس مساهمة رمزية بقدر ما هو استثمار في قدرة المجتمع الدولي على الاستجابة للتحديات المستقبلية، وبناء مهارات وخبرات تعزز الأمن الجماعي.
في المشهد العام، يتجاوز الحضور السعودي إطار الحظر الكيميائي ليعكس رؤية أوسع: عالم أكثر استقراراً لا يمكن بناؤه إلا عبر مؤسسات قوية، وتعاون صادق، والتزام حقيقي بمعايير الشفافية. ومن هنا، تبدو الرياض اليوم ليس فقط دولة ملتزمة، بل شريكاً فاعلاً في صياغة منظومة دولية أكثر أمناً، وسط عالم تتعاظم فيه المخاطر ويتراجع فيه اليقين.






