صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مقالات

كيف يهدأ القلب ويرتاح العقل؟

لا يبدأ القلق بضجيج، بل بفكرةٍ عابرة نتجاهلها، ثم نسمح لها أن تتكاثر حتى تحتل مساحة أكبر من حجمها الحقيقي. فكرة واحدة كفيلة بأن تُربك مزاج يومٍ كامل، وتُبقي القلب في حالة استنفار مستمر، كأن الخطر قريب رغم أن الواقع ساكن. هنا لا يكون القلق انعكاسًا لما يحدث حولنا، بل لما يحدث داخلنا، لأننا نفتقد الشعور بالأمان. كما قال جون لوك: “الخوف غالبًا ليس من الواقع، بل من خيالنا لما قد يحدث.”
وفي كل مرة يسيطر علينا القلق من أمرٍ ما، نكتشف لاحقًا أننا حمّلنا الأمور أكبر مما تحتمل، وأن الخوف سبق الحدث وتقدّم على الحقيقة. نُرهق أنفسنا بتوقّعات لم تقع، ونعيش ثِقل الغد قبل أن يأتي، ثم نتعلّم — غالبًا بعد فوات التعب — أن الطمأنينة لا تُولد من السيطرة، بل من التسليم.
وحين نتمعّن في سبب هذا القلق، نكتشف أنه لا ينبع من الحدث ذاته، بل من تفسيرنا له. فالقلق غالبًا وليد خوفٍ داخلي: خوف من الفقد، أو من الخذلان، أو من المستقبل المجهول. أحيانًا يكون انعكاسًا لتجارب سابقة لم تُشفَ تمامًا، أو نتيجة تحميل النفس مسؤوليات تفوق طاقتها، وكأن الطمأنينة لا تتحقق إلا بالسيطرة الكاملة. كما أشارت إلين لانجر، الباحثة في علم النفس: “الكثير من القلق ينبع من شعورنا بأننا لا نتحكم بما يحدث، بينما الواقع أقل تهديدًا بكثير مما نتخيله.”
نقلق حين نعتقد أن علينا الإمساك بكل الخيوط، وأن أي خطأ يعني خسارة، وأن التأخير علامة فشل. بينما الحقيقة أن كثيرًا مما نخشاه لم يقع، وإن وقع، لم يكن بالقسوة التي تخيّلناها. ومع كل تجربة، نتعلّم أن القلق لا يغيّر النتائج، لكنه يستهلك القلب قبل أوانه.
وحين نسلّم أمور الحاضر والمستقبل لله، لا يعني ذلك التخلّي عن السعي، بل التحرر من وهم الضمان. أن نفعل ما نستطيع، ثم نترك ما لا نملكه لمن بيده كل شيء. هناك فقط، يهدأ القلب، لأننا ندرك أن ما كُتب لنا سيصل، وما لم يُقدّر لنا لن يُرهقنا فقده.
فالطمأنينة ليست غياب القلق، بل القدرة على فهمه، ثم تجاوزه بثقة وتسليم. وما إن نُحسن الظن بالله، حتى تخفّ وطأة الخوف، ويعود القلب إلى اتزانه الطبيعي، مطمئنًا بأن كل أمرٍ له وقته، وكل قلقٍ مصيره الزوال. كما قال إبراهام لنكولن: “لا تدع القلق يستهلكك، فمعظم ما نقلق بشأنه لن يحدث أبدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى