تأسست في بريطانيا 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
كتاب مفاكرة

قراءة في تحولات الواقع..

اقرأ المزيد من صحيفة مفاكرة

بقلم | أ. علي الجفالي

أحيانًا يجد الإنسان نفسه مدفوعًا لاختيار العزلة كملاذٍ من ضجيج العالم وضغوطه، كانت العزلة بالنسبة له قرارًا واعيًا، و وسيلة للبحث عن الذات وتجديد الروح بعيدًا عن التوترات اليومية، كان يتصور أن العالم سيبقى كما هو، أو ربما يتحسن قليلًا مع مرور الوقت، لكن عودته بعد فترة من الغياب كشفت له حقائق صادمة … ما كان يعتبره جيدًا أصبح سيئًا، وما كان سيئًا صار أكثر سوءًا.

‏حقيقةً ان العزلة كانت بالنسبة له فرصة للهروب من صخب الحياة اليومية ومواجهة ضغوطها المتزايدة… وقد كان يبحث عن الهدوء والسلام الداخلي، حيث يمكنه إعادة ترتيب أفكاره واكتشاف أولوياته ،ظن أن الوقت الذي قضاه بعيدًا عن العالم الخارجي سيمنحه رؤية أوضح للحياة، وسيتيح له العودة بروح جديدة ونظرة إيجابية.

‏عندما عاد إلى العالم، كانت الصدمة الأولى هي التغيرات التي طرأت على الناس من حوله ، وجد أن العلاقات الإنسانية، التي كان يعتبرها من أثمن القيم، أصبحت سطحية أكثر مما كان يتخيل ، الأصدقاء الذين كان يعتقد أنهم يمثلون الدعم والثقة، أصبحوا منشغلين بمصالحهم، يتجنبون العطاء ويتسابقون لتحقيق مكاسب شخصية.

‏كما انه وجد ان “السيئ” اصبح يتجلى بشكل أكثر وضوحًا وأكثر قبولًا في المجتمع، والفساد الذي كان يتم إخفاؤه بات يظهر علنًا، والتجاوزات الأخلاقية أصبحت تُبرر تحت مسميات مختلفة، فادرك ان قيم الصدق والإخلاص قد أُقصيت لتحل محلها قيم زائفة ومصالح شخصية ضيقة.

‏ورغم أن عودته كانت مخيبة للآمال، إلا أنها فتحت أمامه بابًا للتأمل والتكيف، بعد ان ادرك أن العالم يتغير باستمرار، أحيانًا نحو الأفضل وأحيانًا للأسوأ، ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي هو كيفية الحفاظ على قناعاتنا وسط هذا التغير المستمر.

‏كان يعلم ان العزلة قد تكون مفيدة لاستعادة التوازن، لكنها ليست حلًا دائمًا، نحن بحاجة إلى مواجهة التحديات مباشرة، والعمل على تحسين ما يمكننا تحسينه، ربما لا يمكننا احداث تغيير واضحاً ومؤثراً في عالمنا، لكن يمكننا على الأقل الحفاظ على السلام والتماسك الداخلي والسعي لتأثير إيجابي صغير في محيطنا.

‏اختياره للعزلة كان قرارًا شخصيًا، وعودته كانت درسًا في تقبل الواقع بتقلباته، والحياة ليست دائمًا كما نتوقع، لكنها تستحق أن نحاول تحسينها، مهما كانت الظروف، إذا كان الجيد قد أصبح سيئًا، فلنكن نحن بذرة الجيد الجديدة في هذا العالم.

‏ومضه:

‏يقول أحمد شوقي:
‏وما الناسُ إلا هالكٌ وابنُ هالكٍ
‏وذو نسبٍ في الهالكينَ عريقُ
‏إذا امتحنَ الدنيا لبيبٌ تكشّفتْ
‏له عن عدوٍّ في ثيابِ صديقُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى