بين الإصغاء والإنصات.. سرّ الحكاية

قرأتُ كتابًا للكاتب مارك جولستون بعنوان «فقط أنصت»،
فتبادر إلى ذهني سؤالٌ عميق:
ما الفرق بين الإنصات والإصغاء؟
تأملتُ كثيرًا، لأجد أن لكل إنسانٍ قلعةً داخلية .. لا يستطيع أحد تجاوز حصونها
إلا حين يُحسن فنّ الاحتواء والإصغاء.
فهو المفتاح الأول لفهم الناس، وكسب ثقتهم، وبناء علاقاتٍ ناجحة…
فالإنصات هو أن تسمع بأذنك،
أما الإصغاء فهو أن تسمع بقلبك.
الإنصات تركيزٌ خارجي،
أما الإصغاء فهو تواصلٌ إنسانيّ عميق ينفذ إلى الأرواح.
يقول الفيلسوف إريك فروم:
“القدرة على الإصغاء من أندر أشكال العطاء .. لأنها تعني أن تُفرغ نفسك مؤقتًا لتسكن في عالم الآخر.”
ويقول ستيفن كوفي:
“معظم الناس لا يستمعون بنية الفهم،
بل بنية الرد.”
حين يأتيك أحدهم شاكيًا أمرًا ما،
فهو لا يبحث عن رأيٍ أو نصيحة،
بل عن أذنٍ تُنصت، وقلبٍ يتّسع.
يريد أن يرى في صمتك مرآةً تعكس له ذاته…فقط أصغِ، ودعه يرى الحقيقة بنفسه …
ولبناء علاقاتٍ قوية،
عليك أن تتقن فنّ الإنصات الفعّال؛
ففي التعاطف تُزرع الثقة والمودة،
وفي الشكر الصادق تُبنى الجسور،
وفي الأسف الحقيقي يُرمَّم ما انكسر بين القلوب.
ستكتشف حينها أن أغلب المشكلات
لم تكن بسبب سوء النية، بل بسبب سوء الفهم.
في عالمٍ يزدحم بالأصوات والضجيج،
تتضاءل قيمة الكلمة حين تغيب قدسية الإصغاء .. فمن يُحسن الإصغاء، يُنصت لما وراء العبارات .. ويُدرك ما تعجز اللغة عن قوله…
كل إنسانٍ يحمل حكايةً خلف صمته،
وربما كان الإصغاء له هو الهدية التي ينتظرها منذ زمن… فلنُهْدِ بعضنا صمتًا مُحبًا، وحضورًا حقيقيًا .. ففيهما تُشفى الأرواح وتزدهر العلاقات ..
الإصغاء ليس مجرّد مهارة .. بل هو لغة النبلاء،الذين يدركون أن الكلمة ليست دائمًا الحل،وأن الصمت أحيانًا أعمق من ألف حديث.
“أصغِ بقلبك… فربّ كلمةٍ لم تُقال كانت تنتظر أذنًا تُنصت بروحٍ من نور.”
فالإنصات ليس ضعفًا،
بل قوة تغيّر العالم بصمت.
وفي نهاية كل حوارٍ أو خلاف، لنسأل أنفسنا بصدق:
هل نريد أن نفهم… أم نريد أن ننتصر؟





