صحيفة سعودية تأسست في بريطانيا العام 2011
بريد الصحيفة - Muf2014s@gmail.com
مقالات

أعداء النجاح .. والمنافسة في العويل والصياح والنباح

اللواء الركن م. الدکتور بندربن عبد الله بن تركي آل سعود

ليس ثمّة شك أن زيارة أخي العزيز الغالي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد القوي بالله الأمين، مالئ الدنيا وشاغل الناس، إلى أمريكا مؤخراً، تُعَدُّ حدثاً استثنائياً، ولحظة فارقة في تاريخ العلاقات الإستراتيجية بين البلدين الصديقين. حقَّق سموه الكريم خلالها نجاحات منقطعة النظير في مجالات عديدة.

فمن حيث الاستقبال الحاشد الذي يؤكد احترام مضيفه له ولبلاده وتقديره، لا أعرف أن أمريكا بقضِّها وقضيضها قد استعدت لاستقبال زعيم كما فعلت لاستقبال سموه الكريم، إذ استغرقت أسبوعين بالتمام والكمال وهي تتهيأ لاستقبال ضيفها الكبير، باستعدادات تشريفية لا أعرف أنها أعدَّتها لاستقبال غيره من زائريها من قادة العالم وزعمائه.

كما شهدت الزيارة توقيع اتفاقيات لشراكة سعودية – أمريكية في مختلف المجالات، ولاسيَّما في مجالي التقنية النووية المدنية التي تعزِّز اقتصادنا، وتأسيس مراكز بيانات ضخمة، إلى جانب مناقشة هموم الأمة العربية، خاصة قضية فلسطين. فليعم الذين يروجون لعرض الرئيس الأمريكي ترامب على ولي العهد موضوع انضمام السعودية لاتفاقية إبراهام، أن سموه الكريم ردَّ عليه دونما تردد: لا بد من الإعلان أولاً عن قيام دولة فلسطين المستقلة والاعتراف بها ومنحها مقاعدها في المنظمات العالمية أسوة بجميع دول العالم، ثم نتكلم لاحقاً عن موضوع اتفاقية إبراهام.

أي حتى بعد التزام أمريكا بتنفيذ شرط قيام دولة فلسطين، لم يتعهد سموه الكريم بالموافقة على الانضمام لتلك الاتفاقية، بل قال: ثم بعد ذلك نناقش الموضوع. وقطعاً يدرك حتى تلميذ الصف الأول الابتدائي أن هذا لا يعني موافقته بالضرورة بعد مناقشة الأمر لاحقاً؛ وتظهر هنا الدبلوماسية الرفيعة، إذ ليس كل ما يُعْلَم يُقَال.

وتحضرني هنا إشارة ذكية لطيفة لأخي العزيز صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، إذ يقول: مثلما ردَّ الملك عبد العزيز آل سعود المؤسس على الرئيس الأمريكي روزفلت عند لقائهما عام 1945، عندما طلب الأخير السماح بتوطين اليهود في فلسطين، قائلاً له: على ألمانيا التي اضطهدتهم وحاولت إبادتهم من خلال المحرقة، توطينهم في أراضيها، وليس فلسطين؛ كذلك كان ردُّ سمو أخي ولي العهد على الرئيس ترامب: على إسرائيل والمجتمع الدولي الاعتراف أولاً بدولة فلسطين، ثم نناقش لاحقاً موضوع اتفاقية إبراهام.

إضافة إلى طلب سموه الكريم إلى الرئيس ترامب التدخل الفوري بقوة حقيقية مؤثرة لوضع حدٍّ للحرب في السودان التي دمَّرت البنية التحتية وأزهقت كثيراً من الأرواح، وجعلت معظم الإخوة السودانيين بين نازح ومهاجر، بجانب مخاوف ولي العهد من امتداد الشرر إلى القرن الأفريقي والبحر الأحمر وتهديد أمن المنطقة بأسرها، بل رُبمّا وصل سعير النار في السودان إلى الخليج نفسه، إن لم نتدخل بقوة لحسم الأمر هنالك.

وبشهادة الجميع، يُعَدُّ طلب ولي العهد إلى الرئيس ترامب التدخل لإنهاء تلك الحرب في السودان، بتلك القوة وذلك الإصرار، مفاجأة لكل المراقبين الذين رأوا فيه لحظة فارقة في التاريخ، أتت هكذا فجأة كالطفرة الوراثية، فبدَّدت الأوهام، وفشلت أمامها كل الرهانات، وتحطمت عليها كل تلك المؤامرات الدنيئة التي تم طبخها بليل لتحويل السودان بقدراته وثرواته وعراقة شعبه وتنوعه الذي يُعَدُّ مصدر ثراء مهم، إلى دولة فاشلة يسهل الانقضاض عليها ونهب خيراتها، دونما أدنى نظر لما يمكن أن يترتب على مثل هذا الجشع الأحمق من عواقب وخيمة لن تنتهي حدودها عند السودان وحده.

تماماً كما فاجأ سموه الكريم الجميع، حتى تلك الدول التي تدَّعي العظمة وتتبجح بأن مخابراتها النشطة الذكية قادرة على رصد كل شيء في العالم، حتى دبيب النمل على سفوح جبال الهملايا، فاجأهم سموه بما تم من تفاهم مع الجارة إيران في الصين، بعيداً جداً عن أعين الرقيب الذي يدَّعي الذكاء والنشاط. وقطعاً سيكون القادم أعظم، فسموه الكريم معروف أنه قائد عمل وإنجاز وإبداع، ولا يلتفت إلى مثل هذه الترهات.

فشكر له الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة القائد الأعلى للجيش في السودان، حسن سعيه الذي رأى فيه تصحيح تلك الصورة المشوهة عن السودان للرئيس ترامب، وصوت حق لإنقاذ المنطقة كلها من فوضى عارمة قد تهدِّد استقرار الجميع. إضافة إلى إشادة طيف واسع من الإخوة السودانيين، من سياسيين ومثقفين وصحفيين وإعلاميين وناشطين وحتى مواطنين عاديين، بمبادرة ولي العهد القوي بالله الأمين، الذي أكد قوله بالفعل لحث الرئيس ترامب لاتخاذ خطوات سريعة جادة لإنهاء الحرب في السودان الشقيق.

وكما هي عادة قادة السعودية دوماً، وجّه سموه الكريم في الحال بإرسال وفد سعودي رفيع المستوى إلى السودان يضم ممثلين من وزارة الخارجية ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وصندوق التنمية، وعسكريين وكوادر طبية متخصصة، لمساعدة الأشقاء هناك للتغلب على ما خلفته الحرب من مأساة إنسانية مفجعة. هذا كله بعيداً عمّا قدمته السعودية للإخوة السودانيين من دعم منقطع النظير منذ أول يوم لاندلاع تلك الحرب القبيحة، من تسهيلات لم تقدِّم أي دولة أخرى في العالم مثلها؛ بل على العكس تماماً، أغلق بعضهم حدوده مع السودان، ووضع شروطاً تعجيزية للحصول على تأشيرة الدخول إليها.

وقد رأينا ذلك الإعجاب في عيون المسؤولين الأمريكيين وتلك الدهشة بهذا الحضور الباذخ لولي العهد، مما حدا بالرئيس الأمريكي ترامب أن يؤكد لسموه الكريم: أنت قائد وصديق عظيم، معتدّاً باقتباسه مما يقوله: أنا أقتبس منك، وصحيح أنني أقتبس من آخرين أيضاً، غير أنني أضعك دائماً في مقدمة من أقتبس منهم.

فلا غرو إذن أن تحتفي مختلف وسائل الإعلام في العالم كله، خاصة في الغرب، بتغطية تلك الزيارة التاريخية، ويؤكد كثير من المحللين، حتى من الأمريكيين أنفسهم، أن ولي العهد قد حقَّق قفزة نوعية كبيرة في العلاقات السعودية – الأمريكية لم يشهد البلدان مثيلاً لها من قبل؛ مثلما حقَّق لبلاده مكاسب أضعاف ما حصلت عليه أمريكا من تلك الشراكة الإستراتيجية بين البلدين الصديقين.

بخلاف تلك الأصوات النشاز التي سال لعابها لمبلغ التريليون الذي تم الإعلان عن استثماره مع الشركاء الأمريكيين، والتي كما عهدناها دوماً قاصرة عن قراءة ما يفكر فيه القادة السعوديون. وخلاصة القول: يمكن للمراقب المحايد الصادق القول: لابد لزيارة سمو ولي العهد إلى أمريكا أن تعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط من جديد.

والحال هكذا، كان بديهياً أن تنطلق تلك الحناجر المسعورة الفاشلة من جوقة المرتزقة أعداء النجاح والصلاح والفلاح، للتنافس في العويل والصياح والنباح، ونسج اتهامات وادعاء مغالطات ضد ولي العهد وبلاده، لأن تلك الحناجر المسعورة اعتادت العيش من الارتزاق، واستمرأت الولوغ في أعراض الآخرين، دونما أدنى اعتبار للحقائق الراسخة الدامغة، طالما كان هذا الأسلوب الرخيص يرضي ذلك الطموح المتواضع لمن يدفعون لهم من الأعداء المغرضين الذين يحاولون عبثاً وضع العصا في عجلة قافلة بلاد الحرمين الشريفين القاصدة.

وعلى كل حال، نحن نعرف أنفسنا، ونعتد كثيراً بما نعمل، والعالم كله اليوم في موقع يمكِّنه من التمييز بين الزبد الذي يذهب جفاء وبين ما يمكث في الأرض فينفع الناس بإذن الله. ولأعداء النجاح الحاقدين الحاسدين المغرضين أولئك أقول: اطمئنوا… لن تحركوا ساكناً فينا مهما أوغلتم في العويل والصياح والنباح، لكن تشبهوا بالكرام ولو للحظة واحدة في الخصومة، فكونوا مهذبين في ما تدَّعون، وإن كنت أعرف أن ذلك ليس من شيم خلقكم الوضيع.

فأنتم مهما بالغتم في الخصومة واللجاجة ومحاولة التشويه، واجتهدتم في سب السعودية وشتمها، لتحقيق مزيد من الكسب المادي عن طريق الارتزاق، لن تبلغوا منزلة عبد الناصر في الجبروت والحضور وقوة التأثير، ومع هذا اضطر طوعاً للعودة عن غيّه ليعلن: «تووووبة… لن أهاجم السعودية بعد اليوم»، بعدما ألجمته شهامة الفيصل ومروءته وصدقه وكرمه وترفعه عن الصغائر وإخلاصه للأمة.

وهكذا أكد ولي العهد القوي بالله الأمين، من خلال زيارته التاريخية تلك لأمريكا، أهمية النفوذ السياسي والاقتصادي السعودي، الذي لا يمكن لواشنطن أو غيرها من عواصم العالم تجاهله بأي حال من الأحوال. وقد ظهر هذا جلياً، لأولئك الذين على أعينهم غشاوة، خلال لقائه مع الرئيس ترامب وأعضاء حكومته في البيت الأبيض ومجلس النواب ومجلس الشيوخ.

ولا بد لكم يا هؤلاء أن تأتوا ذات يوم صاغرين معتذرين، بعد أن أرقتم ماء وجوهكم التي سودتموها بمحاولاتكم الدنيئة للنيل من أرض الحرمين الشريفين التي شرَّفها الله عز وجل بما لم يشرف به غيرها من بلاده الواسعة. وحقاً لا أدري أي عقول تلك… بلادٌ يشرِّفها الله سبحانه وتعالى، ثم تحاول شرذمة رخيصة النيل منها؟!

أخيراً: أتمنى صادقاً أن تكون لديكم قدرة للتحلي بالشجاعة التي تحلى بها أحد أعضاء الحكومة في الهند وهو يوجه حديثه إلى رئيس وزرائها على الملأ، الذي لم يمنعه الاختلاف في العقيدة عن رؤية الحق، بخلاف الغوغائيين المغرضين الذين لم يردعهم خلق ولا دين عن كيل الاتهامات واختلاق الادعاءات لتشويه سمعة الشرفاء. وعلى كل حال، استمروا في حقدكم وحسدكم الذي يأكل حسناتكم كما تأكل النار الحطب، لكن كونوا على يقين تام أنكم لن تنالوا من قافلة خيرنا القاصدة ولو قيد أنملة.

الآن، إليكم حديث عضو الحكومة الهندية الذي وجهه لرئيسها بكل جرأة وصدق وفهم حقيقي لمعنى الزعامة والقيادة، أنقله هنا كما ورد بنصِّه، وهو يشير عليه ويوصيه بشدة للتعامل مع ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان. فاسمعوا وازدادوا غيظاً، فستجدون أنفسكم في آخر فقرة من حديثه. ومن يدري، ربما تستحون ولو قليلاً:

(أحدثك عن ابن سلمان، وأنت تحدثني عن … (وذكر اسم أحد الرؤساء أغفلته هنا منعاً للإحراج).
حدثتك دائماً عن الأفضل، وقلت لك: اكسب ابن سلمان. إنه ذكي، ابن سلمان سيدهم جميعاً، لا أحد يستطيع أن يصمد أمامه. يمتلك النفوذ العالمي، يمتلك البترول، ويمتلك السياسة والدبلوماسية. إنه يعرف كيف يخطط ويرسم لنهضة بلاده وراحة شعبه، وحبه لبلده وتطويره له، واحترامه لشعبه وصدقه معه. لا يكذب عليهم مثل غيره، ولا يرضى فيهم ظلماً أبداً. ولهذا كل شعبه يحبه ويفتخر به. هو فقط والباقين يغوروا. الحاقدون الحاسدون والخائنون الذين لا فائدة منهم، ناكرو الجميل الذي قدمه لهم.

ابن سلمان يحب لهم الخير، وهم يحبون له وللمملكة الشر. إنه منقذهم وخيارهم الأفضل. وأقول لك الآن بصدق أمام الجميع: لن يكون هنالك أفضل من ابن سلمان لقيادتهم).

وعلى كل حال يا هؤلاء، مذمتكم لقادتنا الكرام هي شهادة لهم بأنهم بلغوا مرحلة الكمال الإنساني إن شاء الله، كما أقر ذلك المتنبي من قديم، إذ يقول:

وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ
فهي الشهادة لي بأني كاملُ

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى